من أخبار الجزيرة العربية في القرن التاسع (1)
من أخبار الجزيرة العربية في القرن التاسع (1)
أيمن بن سعد النفجان
عند بحثي في تاريخ الجزيرة العربية في القرن التاسع تذكرت ما قاله الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل: (الواقع التاريخي لنجد يحوج إلى التعلق بأذيال الشعر العامي)، حيث إن أهم ما ورد عن تلك الحقبة الزمنية قصائد متناثرة، ومنها قصيدة مشهورة لدى قبائل شمر:
دار لنا من دور طي إلى قيس
دار الضياغم والضياغم حماها
وترد:
ضياغم قد حدروا طي مع قيس
هم شمعته من حماها
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن قارئ تلك القصيدة:
من هم قيس؟
من هم طيء؟.
إن قيس وطيء اسمان لقبيلتين عرفتا منذ العصور الجاهلية، والضياغم كما هو مستفيض فرع من قبيلة مذحج القحطانية اشتهر منذ القرن السابع في اليمن قبل أن ينتقل إلى الجزيرة العربية في القرن التاسع على أرجح الأقوال، فكيف ربط الشاعر ما بين قبيلتين جاهلتين وقبيلة من قبائل القرن التاسع؟
وأين كانت وجهة تلك القبائل بعد ارتحالها من جبلي طيء؟
الإجابة عن تلك الأسئلة هي موضوع هذا المقال، الذي أتمنى أن تكون الاستنتاجات الواردة فيه أقرب ما تكون إلى الحقيقة.
أين اتجهت قبائل قيس وطيء؟
يبدو إن قبائل قيس وطيء لم ترتحل على الفور إلى شمال كما ضن بعض من بحث في تاريخ المنطقة بل ارتحلوا إلى الشرق، فقول الشاعر حدروه أي أجبروه على الاتجاه ناحية الشرق، فبلهجة العامية الدارجة لدى أهل نجد كل من يتجه إلى الشرق يقال فلان حدر أو محدر أو منحدر.
بل إن ذكر القبيلتين في العديد من قصائد شعراء الجزيرة العربية قد استمر حتى نهاية القرن الحادي عشر، منها قصيدة الشاعر الشهير رميزان بن غشام التميمي، وهو من أهل القرن الحادي عشر، حيث يصف في القصيدة موطنه روضة سدير وهو أميرها في ذلك الزمن، وكيف أن قبائل قيس وطيء كانت تأتى للميرة والأكتيال:
بدار لنا ياباقناع توجهت
إلى حط مزهي النما في جريدها
قبايل من طي وقيس وغيرها
إليها وأثمار النما من نضيدها
ويبدو أنهم كانوا من أبرز قبائل شرق الجزيرة العربية حتى إن آل حميد لم يستطيعوا أن يتولوا السلطة في الأحساء في نهاية القرن الحادي عشر إلا بعد القضاء عليهم بحسب ما قاله الشاعر الشهير أمير القصب جبر بن سيار الخالدي:
أولاد بلاع ذوابة خالد
ابن الوليد ازكى سلام زارها
قتلوا بها طي وقيس فاذعنت
أتراكها واروامها وامصارها
من هم قيس المذكورون؟
يبدو أن قيس هم الذين برزت منهم دولة بني جبر في شرق الجزيرة، فلقد ورد ذلك النسب في العديد من القصائد التي يمدح فيها الشعراء المعاصرين لأمراء آل جبر فيصفونهم بسلاطين قيس، ومنها:
قول جعيثين اليزيدي:
وبين أجود سلطان قيس وركنها
عن الضيم أوفي المعضلات الشدايد
وقول ابن زيد:
حقيق بها من أرض ما ينزل أجود
أباسند سلطان قيس وعمودها
وقول عامر السمين:
علي بن اجود سلطان قيس
مجار الجود كهف للضعاف
وعلي الأرجح أنهم فرع من قبيلة عقيل العامرية الذين أشار لهم القلقشندي، فهذا النسب يتفق مع الإشارات التي ترد عن قيسية وعامرية آل جبر، ومنها قول عامر السمين:
قيسى خيار عقيل جملا كلّهم
العامري من قيس أوفي مقسما
ويبدو أنهم لم يكونوا مع قومهم في شرق الجزيرة العربية إلا في القرن التاسع أي بعد أن أزاحهم الضياغم عن شمالي نجد، ولذلك نجد أن السخاوي حين ترجم لأجود قال: (النجدي الأصل).
من هم طيء؟
منذ وقت مبكر حملت العديد من القبائل الطائية أسماء الفروع التي تنتمي لها كشمر، بني لام، بني صخر الخ...، إلا أن بعض فروع طيء ظلت محافظة على اسم القبيلة الأم وحتى وقتنا الحاضر في بادية الشام، كاليسار-الفرير- الحريث، وغالبيتهم على مايبدو من قبائل سلامان الغوثية الطائية، التي برز منها في القرن الخامس آل ربيعة القبيلة الشهيرة صاحبة التاريخ الحافل.
لم أجد في المصادر التي أطلعت عليها أي أشارة إلى دور قبيلة طيء في شرق الجزيرة العربية، إلا أنه صح ما ذكره جبر بن سيار أن آل مسلم أهل قطر من طيء، ومما يتفق مع ماذكره جبر هو جود فرع مشهور من آل فضل الطائيين يعرف بال مسلم، وتوجد أيضاً إشارات إلى آل سميط الفرع الشهير أيضاً من آل فضل بن الربيعة الطائيين في قطر قبل ارتحالهم إلى لنجة.
امتداد إمارة آل جبر إلى نجد
يبدو أن آل جبر قد امتد نفوذهم ليشمل الجزء الشمالي من الجزيرة العربية ومعهم أحلافهم، وهذا ما أشارت له الوثيقة البرتغالية (وبلاد هؤلاء الإخوة الثلاثة (أبناء أجود بن زامل) تمتد من هنا حتى عدن. أما باتجاه الشمال فإنها تمتد بمحاذاة سواحل بحر فارس ثم تنعطف لتصل إلى جوار مكة).
ومما يجدر التنبيه إلى أن بعض من اطلع على تراجم أمراء آل جبر فسر قول المؤرخين (سلطان نجد) بأن ذلك يعنى امتداد نفوذهم إلى نجد كما نعرفها في وقتنا الحاضر مشتملة على ما كان يُعرف باليمامة التي تشمل العارض وسدير والوشم الخ...، ولا يبدو هذا الاستنتاج صحيحاً، فالمصادر التاريخية تشير إلى أن آل جبر كانوا يغزون قبائل منطقة اليمامة ومن ثم يعودون إلى موطنهم مما يدل على أنها لم تكن ضمن مناطق نفوذهم، بل إن المتتبع لمؤرخي وجغرافي القرن السابع وحتى العاشر يلحظ أنهم في الغالب كانوا يطلقون على المنطقة الواقعة شرق المدينة المنورة (نجد) أي جبلي طىء وماحولها، وعالية نجد، فعلي سبيل المثال القلقشندى يحددها بقوله)هي الناحية التي بين الحجاز والعراق). وتحديد منطقة نجد من الحجاز واليمامة بلا شك أنه محل خلاف بين المؤرخين والجغرافيين على مر العصور وليس هذا المقال محل شرح ذلك الخلاف، خاصة أن من لهم باع في هذا المجال قد تصدوا للبحث فيه كالشيخ عبد الله بن خميس في كتابه الذي حرص أن يكون اسمه معجم اليمامة.
ولعل من المفيد الإشارة إلى أن قبيلة طيء وأحالفها ممن كانوا يعرفون بعرب الطاعة، كانت لهم علاقات مميزة مع مشاهير العلماء في ذلك الزمن وخصوصاً الشيخ ابن تميمية، وكان لهم أيضاً علاقات طيبة بابن القيم والسبكي. وهذا يفسر إلمام آل جبر بالعلوم الشرعية، وحرصوا على إقامة الجمعة والجماعة، وإكثار الحج.
ولعل السؤال الذي يطرحه القارئ لأسماء تلك القبائل (طيء - قيس)، لماذا حافظت على أسماء قبائلها القديمة التي عرفت بها في العصر الجاهلي دون غيرها؟
لم أجد في المصادر التي اطلعت عليها مايبين سببا لذلك، وليس من المستبعد أن يكون السبب هو أن تلك القبائل بيوت مشيخة قديمة وهو مانجده في طىء.
ارتحال قيس وطىء عن الجزيرة العربية
على الأرجح أن الجزء الأكبر من بادية قيس وطىء قد ارتحلوا عن الجزيرة العربية في نهاية القرن الحادي عشر على أثر نشأة إمارة بني خالد في شرق الجزيرة العربية، وقد أشار إلى ذلك جبر بن سيار الخالدي:
أولاد بلاع ذوابة خالد
ابن الوليد أزكى سلام زارها
قتلوا بها طي وقيس فاذعنت
أتراكها واروامها وامصارها
ويتفق ذلك مع ما أشار له المستشرق الفرنسي مونتانى أن ارتحال طيء من الجزيرة العربية إلى بادية الشام حدث في القرن الثاني عشر، وعلى الأرجح أن قيسا كانوا معهم.
وهناك من ارتحل إلى العراق وعمان، وكأي قبيلة ترتحل من موضع جغرافي معين يبقى منها أسر متحضرة، وعشائر تلتحق بالحلف مع القبائل البارزة في المنطقة.
ويبدو أن حلف قيس وطيء قد تحول في زمن متأخر وبعد ارتحالهم إلى الشام إلى عداء حتى ضرب المثل (مثل قيس وطيء) والله أعلم
للتواصل مع الكاتب:
ص0ب1567 جدة 21441
سجل لمشاهدة الروابط
(1) تاريخ نجد في عصور العامية، أبي عبدالرحمن بن عقيل، ج1، ص 37
(2) البعض ينسبها إلى الأمير عبيد آل رشيد.
(3) طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب، عمر بن الرسول، دار الأفاق، ص 122
(4) تاريخ نجد في عصور العامية، مصدر سابق، ج2، ص 60
(5) عالية نجد، سعد الجنيدل، ج1، ص 4
(6) الشعر النبطي ذائقة الشعب وسلطة النص، الدكتور سعد الصويان، ص (3.5 - 315- 326 - 438 - 421).
(7) عشائر الشام، أحمد وصفي زكريا، ص 637
(8) نهاية الأرب في معرفة أنسال العرب، أحمد بن علي القلقشندي، ص 361
(9) الشعر النبطي، مصدر سابق، ص 327
(10) المصدر السابق، ص 205
(11) عشائر الشام، ص 637
(12) نبذة في أنساب أهل نجد، جبر بن سيار، تحقيق راشد العساكر، ص 105
(13) مسالك الأبصار في ممالك الأمصار للعمري ص 114
وآل مسلم كانت قبيلة ذات دور هام في شرق الجزيرة العربية منذ منتصف القرن العاشر إن لم يكن قبل ذلك، حيث كانت تمارس تجارة الغوص والنقل في العقير وقطر التي كانوا فيها إمارة قوية استمرت حتى وقت قريب، مما يدل على قدم تواجدهم في المنطقة. (إمارة آل شبيب، الدكتور عبداللطيف الحميدان، ص 51، 81).
(14) المنتخب في ذكر قبائل العرب، عبدالرحمن بن زيد المغيري، ص 280
(15) الصراع على السلطة في دولة الجبور، مصدر سابق، ص 56
(16) راجع تحفة المشتاق من تاريخ نجد والحجاز والعراق، تأليف عبدالله آل بسام، حوادث القرن التاسع والعاشر ومنها سنة 851 - 852 - 853
(17) نهاية الأرب، مصدر سابق، ص 25
(18) للمزيد من التفاصيل راجع، معجم اليمامة، عبدالله بن خميس، ج1، ص 31
(19) الإمارة الطائية، الدكتور مصطفى الحياري، ص 103
(20) أنساب الأسر الحاكمة، مصدر سابق، ج1، ص 206
(21) عشائر الشام، ص 636
_________________________________
الجمــايل دايمه والمنــاصب ماتدوم
....
والكفــو لو يندفن ماتندفن سمعتــه
|