جلست في مجلس صديقي الذي ضمَ بعض الأصحاب والأغراب , ففاجئني ذلك الشخص الذي من أول الجلسة حتى قُمت , وهو ( يصف ) كثيراً من الناس بالحُمق , ( فاندهشت ) من حمَاقته ووقاحته , وعدم تورع لسانه وبيانه , ولقد تكررت جلساتي معه بصفته جديد في المجموعة وهو على حالته لم يتغير , ومن سوء حظي أعطاني أحد صحبهِ الجالسين بعضاً من كتاباته أمامه , لكي أقول رأيي فيها ( لأن سبب الجلسة أصلاً هي رؤية جديد كتاباتنا والتناقش فيها ) فاعتذرت حينها عن ذكر الرأي لحاجة في نفس يعقوب , قائلاً في نفسي : سبحان الله وافق شنٌ طبقه إذ أن حماقة شخصه ترجمَها بنصه , فعجبت حينها من أقوامٍ ( يَنعتون ) الناس بالحُمقِ وهم ( يُطبقون ) الحُمق بحذافيره .
المهم قلت رأيي لصاحبي بصراحة بيني وبينه فعاتبني , فكتبت هذه الرسالة له على شكل مقال وهو كالتالي :
تأملت بشكل أعمق معنى لفظة أحمق , فوجدت : العجائب في الحقائق , والفوائد في الفرائد .
يقول السفاريني الحنبلي ( في لغة الإقناع : الحمق ارتكاب الخطأ على بصيرة يظنه صوابا . وقيل وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه . وقيل استحسان ما تستقبحه العقلاء ) انتهى .
وقال رسولنا الحبيب ( الأحمق مَن أتبع نفسه هَواها .. )
وعَرف الحكماء الأحمق بقولهم " الأحمق من نظر في عيوب الناس فأنكرها عليهم , وأحتكرها لنفسه لتكون أهم صفاته " , وبما أننا في الصفات إليك (بعض) صفات الأحمق , وطبقها على صاحبك , فقد جَمعتها لك من عدة مصادر وهي على ضوء ( ما قرأت له مما أعطيتني في كتاباته وسمعت منه في جلساته معنا ) وسأذكر فقط من باب الأمانة ما وجدت بصاحبك من هذه الصفات :
(( يتكلم في غير نفع ومنفعة , ومتوهم انه أعقل الناس , تطاوله على من هم أعظم شأنا منه , وظنه بنفسه على أنه عالم وهو جاهل, يصعب عليه العلم والتعلم والتعليم, ويفخر بفضله وأفضاله,وهو لم ولن يكن بذي فضل, ويريد من الناس أن يفخروا فيه ويشيدوا به ويمدحوه, وهو بهذا الوضع أسوأ الناس , كثرة الوقيعة في الأخيار , ترك النظر بالعواقب , العُجب بنفسه والكبر , يصر على أن يعطى الانتباه وهو يتحدث عن شيء سخيف , وإن أحسنت إليه أساء إليك وإن أسأت إليه أحسن إليك )) .انتهى من عدة مصادر ما بين القوسين
وأضيف عليها : لا يَستشير لكي يَستنير لأن الأحمق يَقطعه عُجبه بنفسه ورأيه عن الاستشارة , ولا يسمع النصائح حتى من المشايخ أو من أصحابه المقربين أو المربين أو المعلمين , التخبط وعدم الثبات على مبدأ , تتأثر كتاباته وكلماته بعواطفه وصدماته , وهذه صفات لا يجب أن تكون في كاتب اختار طريق الإصلاح شعار , لأن الكاتب العدل الحق يجب أن يتجرد من نزواته وشهواته , وصاحبك لا يتقن فن إيصال مقصوده الطيب للقلوب بسبب حُمقه , حيث يُغلفها بما يُنفر الناس من قبولها ( عكس ) الكُتاب المنحرفين الذين يُغلفون الشر بما يجذب الناس إليهم , لذلك صاحبك يُمثل ( كيان الحمق ) كله في معناه حيث قال ابن الجوزي في كتابه أخبار الحمقى والمغفلين (معنى الحمق والتغفيل هو الغلط فى الوسيلة والطريق الى المطلوب مع صحة المقصود , ويقول أيضاً : فالاحمق مقصوده صحيح ولكن سلوكه الطريق فاسد ورويته فى الطريق الوصال إلى الغرض غير صحيحة ... ) .
وغير هذا صاحبك من خلال جلساتنا المتتالية القليلة جداً وكتاباته فيما أعطيتني لم أجد سوى موضوع واحد له يدور حوله ويكرره بعدة أساليب والمقصود واحد , مثل مَن يطوف حول الكعبة الشريفة في جميع حالاته يقرب منها أو يبَعد عنها بآخر الصحن , أو طاف بالدور الثاني أو الثالث , أو يشد بهرولته كالرمل مثلاً ثم يهدأ بالمشي , أو ينقض وضوءه بأحد دوراته بنجاساته في ( كتاباته ) ثم يعيد* كراته بالطواف من جديد حول تلك الكعبة الطاهرة , فالهدف في لفه ودورانه في مواضيعه , الطواف حول تلك الكعبة الطاهرة ( المضمون الواحد ) سواء قَربَ منها أو بَعُد .
ويقول المثل الأنجليزي في مثل هذا :( الأحمق كطائر الوقواق ليس لديه سوى أغنية واحدة هي الحمق .) . وصاحبك ليس لديه إلا ذلك الموضوع أو المضمون الواحد .
لذلك يا صاحبي لن أواصل وأجازف بوقتي وعقلي وصحبتي في هذه المجموعة البناءة لوجود آلة هدم بيننا لثلاثة أمور :
الأول / تلبية لنداء العقلاء :
وصية لقمان لابنه : يا بني لا تعاشر الأحمق وإن كان ذا جمال, وانظر إلى السيف ما أحسن منظره وأقبح أثره.
وقال سفيان الثوري : هجران الأحمق قربة إلى الله تعالى , وقالها كذالك الحسن .
وقال علي بن أبي طالب : , لا تؤاخي ( ذكر منهم ) الأحمق فإنه يجهد نفسه لك ولا ينفعك , وربما أراد أن ينفعك فضرك , فسكوته خير من نطقه , وبعده خير من قربه , وموته خير من حياته .
الثاني/ كيف أناقش وأحاور في مجموعتنا الفكرية ومعنا أحمق نختلف معه جذرياً حتى لو كان بنفس توجهي الفكري والمواقف حَكمت كما رأيت , وبصراحة أكثر (من الحمق مناقشة أو جدال الأحمق أو مسامرته,لأن عليك تحمل إجاباته ) ( مثل ألماني )
وعن سلمان بن موسى قال ثلاثة لا ينتصف بعضهم من بعض ( ذكرَمنهم ) حليم من أحمق .
الثالث / جلوسه معي في مجلس واحد أرتاده كثيراً , يؤدي للصحبة والصداقة أو أقل القليل تآلف الطباع ومعروف أن الطبع ( سَراق ) فأخشى على نفسي اكتساب أوصاف من الحماقة , فقد قال ابن أبي زياد قال لي أبي يا بني الزم أهل العقل وجالسهم واجتنب الحمقى فانى ما جالست أحمق فقمت إلا وجدت النقص في عقلى .
ويقول الشاعر صالح عبد القدوس :
ولأن يعادي عاقل خيرله .. من أن يكون له صديق أحمق
فأربأ بنفسك أن تصادق أحمقـا .. إن الصديق على الصديق مصدق
إلى أن يقول :
أحذر الأحمق أن تصحبه .. إنما الأحمق كالثوب الخرق
كلما رقعته من جانب .. حركته الريح وهنا فأنخرق
كحمار السوق إن أقضمته .. رمح الناس وإن جاع نهق
وإذا جالسته في مجلس .. أفسد المجلس منه بالخرق
وإذا عاتبته كي يرعوي .. زاد شرا وتمادى في الحمق
وبنهاية هذه الرسالة , عَلمتَ رأيي يا صديقي , فإن لم تفهم إشارتي وتنفذ ما فيها فأنا أعتذر عن حضوري وقل لصحبي : عن عبد الله بن حبيق قال " أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام لا تغضب على الحمقى فيكثر غمك " . ( ابن الجوزي أخبار الحمقى ) لذالك من باب الحكمة أن لا يهتموا ولا يغضبوا من حماقة الأحمق .
وأن لا يكونوا كبعض الحمقى لهم مواضيع بلا فائدة , وكلمات بلا مُراقبة إلهية للقول , وسطور لا ترى فيها بناء مجرد غوغاء .
وتقبل تحيات محبك
ولد الرس
فائدة :
* قلت يعيد الطواف لأن الطهارة من الحدث والنجاسة والستارة ، شرائط لصحة الطواف في المشهور عن أحمد وهو قول مالك والشافعي 00منقول.