حاول حاكم دولة بني خالد الأمير سعدون بن عريعر أن يثني حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله عن دعم الأمراء دويحس بن عريعر وعبدالمحسن بن سرداح ، الا انه فشل في ذلك ، لذالك أمر الأمير سعدون بن عريعر فرسانه بشن الغارات على قبائل بادية مملكة المنتفق طوال الشتاء ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 350 ((( حاول سعدون اقناع ثويني بالتراجع عن تأييد دويحس وخاله عبدالمحسن ولكنه فشل رغم تحذيره المتكرر من عاقبة ذلك التصرف، قرر سعدون المواجهة نتيجة لذلك وأمر خيالته بشن الهجمات على عربان المنتفق طوال فصل الشتاء))). ولما حل الربيع كان حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله قد أجتمعت لديه قبائله البدوية للتنقل معه طوال فصل الربيع ( كما هي عادة حكام مملكة المنتفق آل سعدون تاريخيا ) ، وعندها بدأ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله الزحف بقواته من البادية والحاضرة على أراضي دولة بني خالد ووقعت معركة فاصلة بين الطرفين انتهت بهزيمة كبيره للأمير سعدون بن عريعر وبوصول الأمراء دويحس بن عريعر وخاله عبدالمحسن بن سرداح الى الحكم ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 350 ((( ولما حل الربيع التقى الفريقان في شمال أراضي بني خالد حيث جرت المصادمات والمناوشات بينهما حتى فصل الصيف وفي النهاية تدور بينهما معركة شرسة سميت ضجعة نسبة الى مكان وقوعها. وقد انتهت تلك المعركة بانهيار قوات سعدون وتكبدها هزيمة قاسية))). يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق آل سعدون وعلاقتهم بقبائلهم البدوية ، قسم المنتفق ، ج:3 ، ص: 625 ((( على الرغم من هذا الإرتباط الوثيق بالأرض كان شيوخ الشبيب – سعدون يشعرون بأنهم أمراء بدو. فكان شيخ المشايخ يتجول في مارس/ آذار أو قبل ذلك مع البدو لمدة ثلاثة أشهر في الصحراء ))). يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 162 ((( وفي سنة 1200 دبت الفتن بين بني خالد في (الأحساء) واستحكت في قلوبهم الشحناء ، فأضاعوا صلة الأرحام ، وسفك بعضهم دماء بعض . فجرت وقعة ( جضعة ) وذلك أن المهاشير من بني خالد وآل صبيح اتفقوا مع عبدالمحسن ابن سرداح وثويني بن عبدالله رئيس المنتفق على محاربة سعدون بن عريعر رئيس بني خالد : فثارت الحرب بينهم أياما وقتل منهم قتلى كثيرون ، وانهزم سعدون ومن معهم . فترأس عبدالمحسن بن سرداح ودويحس بن عريعر على بني خالد والأحساء ))). ويذكر المؤرخ والشاعر خالد الفرج (المعاصر للملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة ) ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، كتاب الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 204 ((( استعان به عبدالمحسن بن سرداح رئيس المهاشير من بني خالد على منافسه سعدون بن عريعر ، فجرت بينهم وقعة جضعة سنة 1200هـ في نقرة بني خالد ، انتصر فيها ثويني ، وفر سعدون الى خصومه آل سعود ))).
وبينما يرى عبدالكريم المنيف الوهبي أن الأمير ثويني قام بمساعدة الأمير دويحس وخاله الأمير سرداح لأنه يرغب في إضعاف حكم بني خالد وتعيين قيادة موالية له ، الا ان هذا الرأي غير صحيح لأنه يخالف ماذكره المؤرخ العثماني عثمان بن سند الوائلي ( المعاصر للأحداث) والذي أشار الى ان الأمير ثويني بن عبدالله بعد أن أسقط حكم الأمير سعدون بن عريعر ، ترك لزعماء بني خالد حرية أختيار حاكمهم وتم اتفاقهم على من يحكمهم بعد وصول الأمير ثويني بن عبدالله لعاصمة دولته مدينة سوق الشيوخ ، ويضاف الى ذلك أن الأمير ثامر بن سعدون (أخو ثويني من أمه وولد عمه) كان متزوج من آل عريعر ( وهو ماسوف يتم توضيحه في قسم لاحق من هذا البحث). وهذا يوضح أن تحرك الأمير ثويني بن عبدالله كان موجها ضد الأمير سعدون بن عريعر والذي طلب أخوته وكبار بني خالد من الأمير ثويني ان يسقط حكمه لسبب يتعلق ربما بقتل الأمير سعدون بن عريعر لأخويه سابقا. يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص: 394 ((( الذي كان من مصلحته انهاك القوة الخالدية بالصراعات الداخلية وتنصيب زعامة جديدة موالية له وبحاجة للدعم مما يمكن من السيطرة عليها))). ويذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري - المعاصر للأحداث - في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، عند حديثه عن عودة حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله لعاصمة دولته مدينة سوق الشيوخ بعد المعركة واتفاق بني خالد على أن يكون الأمير دويحس بن عريعر هو الحاكم لدولة بني خالد , ص: 217 ((( ولما رجع ثويني الى داره وموطن حكومته ومطمع انظاره ، اجمع اكابر عشائر بني خالد على ان يؤمر فيهم داحس ابن عرعر اذ هو من باقي اخوته اكبر))).
12- أول معاهدة تاريخيه للدولة السعودية الأولى مع دولة خارج الجزيرة العربية – مع مملكة المنتفق:
وهنا تذكر مصادر الدولة السعودية الأولى وجود معاهدة بين الأمير ثويني بن عبدالله حاكم مملكة المنتفق وبين الإمام عبدالعزيز حاكم الدولة السعودية الأولى في نجد وهي أول معاهدة تاريخية للدولة السعودية الأولى مع دولة أخرى خارج الجزيرة العربية (حسب علمنا).
بعد هزيمة قوات حاكم دولة بني خالد الأمير سعدون بن عريعر أمام قوات حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وسقوط حكم الأمير سعدون بن عريعر ، ذهب الأمير سعدون بن عريعر ومعه خاصته الى نجد وأرسل للأمام عبدالعزيز حاكم الدولة السعودية الأولى يطلب منه الأمان ودخول الدرعية (عاصمة الدولة السعودية الأولى ) ، الا أن الإمام عبدالعزيز رفض استقبالهم لوجود معاهده بينه وبين الأمير ثويني بن عبدالله وطلب منهم الإنتظار حتى يقف على حقيقة ماحصل ويراسل الأمير ثويني بن عبدالله ، ولكن الأمير سعدون بن عريعر تعجل ودخل الدرعية بدون آمان ، وقد استشار الإمام عبدالعزيز الشيخ محمد بن عبدالوهاب في قبول لجوء الأمير سعدون بن عريعر خاصة وأن الإمام عبدالعزيز تضايق مما حصل ، وقد أشار عليه الشيخ بقبوله ، وعندما علم الأمير ثويني بن عبدالله بذلك غضب وأعتبر ذلك خرقا للمعاهدة التي بين الطرفين ، وقد أرسل اليه الأمام عبدالعزيز يوضح له اضطراره لقبول لجوء الأمير سعدون بن عريعر وأنه لم ينقض العهد. يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 162 ((( فهرب سعدون وجماعته و أقبلوا على (الدرعية) وأرسلوا الى عبدالعزيز يطلبون منه الأمان . فنهاهم عبدالعزيز عن دخول البلد حتى يقف من ثويني على حقيقة الأمر – وكانت بين المسلمين وثويني معاهدة ومصالحة. ولكن سعدون تعجل الأمر فدخل البلد ، وكان عبدالعزيز خارجا من قصره لصلاة الجمعة ، فتقابلا عند باب القصر . فرجع معه وأمر بانزاله و اكرامه ثم رجع للصلاة ، وقد امتلاء غما وهما لتعجل سعدون . فلما قضى صلاته ذهب الى الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وكاشفه بما في نفسه ، فجلا عنه الامام جميع الشبه وتلا عليه قوله تعالى : -(( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ))- . فاطمأنت نفس عبدالعزيز وسري عنه ماكان يحس به من الغم . فلما علم ثويني بذلك تعاظم وتجبر ، فأرسل اليه عبدالعزيز يلاطفه ويشرح له حقيقة ماجرى ، ويبين له أنه لم ينقض العهد ، وأنه اضطر الى قبول سعدون وجماعته . ولكن ذلك كله لم يجد شيئا مع ثويني وزاد في تعاظمه ، وجد في الاستعداد للحرب ))). ويذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، عند حديثه عن الأمير سعدون بن عريعر ، ج:1 ، ص: 157 ((( فلما لم يجد له ملجأ هرب الى الدرعية . فلما قرب منها أرسل الى عبدالعزيز يطلب الأمان , فأبى عبدالعزيز ذلك لأن بينه وبين ثويني هدنة . فعزم سعدون ودخل الدرعية بلا أمان . فشاور عبدالعزيز الشيخ فقال : عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم . فأكرمه عبدالعزيز غاية الاكرام , فلما بلغ ثويني ذلك , تعاظم الأمر, فاستعطفه عبدالعزيز فلم ينجح فيه ))).
13- دخول ثويني لنجد عسكريا عام 1786م – 1201هـ:
تسارعت الأحداث بشكل كبير حيث أن أمير القصيم التابع للدولة السعودية الأولى أغار على قافلة تجارية ضخمة خارجه من البصرة وسوق الشيوخ وقتل رجالها ونهبها عند وصولها الى منطقته (القصيم) وبذلك أشعل فتيل الحرب في المنطقة كلها . يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 163 ((( وغزا حجيلان بن حمد أمير (القصيم) بأهل بلده وانضمت اليه جماعة من عنزة ، فذكر له أن ثمة قافلة عظيمة خارجة من (البصرة) و (سوق الشيوخ) فرصدهم في الطريق ، الى أن أقبلوا عليه بما معهم من الأموال والأحمال ، فهجم عليهم ، فتقاتلوا حينا ثم انكشفت القافلة وانهزم رجالها . وغنم حجيلان وجماعته ماكان معها من الأموال ، واستاقوا ابلها و أغنامها ، وقتلوا عددا من رجالها ))). يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، حوادث سنة 1200هـ ،عند حديثه عن القافلة التي هاجمها أمير القصيم، ، ج : 1 ، ص: 157 ((( وفيها غزا حجيلان بن حمد أمير القصيم الى ناحية جبل شمر فذكر له قافلة خارجة من البصرة وسوق الشيوخ فأسرع حتى وصل الى بقعا، فرصد لهم فيها ، فوافقها ومعها كثير من اللباس والقماش لأهل الجبل وغيرهم فأخذها وقتل من الحدرة قتلى كثيرة))). يذكر هاري سانت جون فيلبي ، في كتابه العربية السعودية، ص: 149 ((( قام (حجيلان) بالاستيلاء على قافلة كبيرة محملة بالأقمشة والبضائع كانت قادمه من العراق وفي طريقها الى (حائل)، وسارع بالعودة الى ديرته محملا بالغنائم قبل أن تنظم أية جهة حمله لمطاردته. لكن الانتقام كان قادما على الطريق، ففي تشرين الأول من العام التالي قاد زعيم المنتفق والمدعو (ثويني) قوة عسكرية قوية وسار بها باتجاه القصيم))).
كان نهب القافلة والإعتداء عليها وقتل رجالها من قبل أمير القصيم بمثابة إعلان حرب ، لذلك قام حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله بجمع قوات ضخمه من القبائل والحواضر التابعه له ، حيث بلغ عدد الأبل التي حملت المدافع والبنادق في جيشه 700 بعير ، ولنا ان نتصور كم تكون حمولة الجيش كاملا اذا كان حمولة البنادق والمدافع والذخيره لوحدها 700 بعير ، وسار الأمير ثويني بن عبدالله بجيوشه هذه الى نجد متوجها الى أمير القصيم . يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، أحداث سنة 1201هـ ، ص: 164 ((( وفي أول هذه السنة ، سار ثويني بن عبدالله بجيوشه الكثيرة من (المنتفق) وأهل المجرة وجميع أهل (الزبير) وبوادي شمر وأغلب طيء وغيرهم ومعه من العدد والعدة مايفوق الحصر ، وتجهز بالمدافع والبنادق والقنابل التي تدك الحصون والأسوار))). يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، أحداث سنة 1201هـ ، ج: 1 ، ص: 158 ((( وفي أول هذه السنة في المحرم ، سار ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب بالعساكر والجنود العظيمة من المنتفق وأهل المجرة وجميع أهل الزبير وعربان شمر وغالب طي وغيرهم ، ومعه من العدد والعدة مايفوق الحصر ، حتى أن أحمال زهبة البنادق والمدافع وآلاتها بلغت سبعماية حمل، فسار في أوطانه وقصد ناحية القصيم))). يذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية (المعاصر للأحداث) ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، ص: 552 ((( وفي سنة 1201: في المحرم سار ثويني بن عبدالله آل محمد آل شبيب على نجد بالعساكر والجنود ومعه من القوة والعدد والعدة مايفوت الحصر ، حتى ان حمول زهبة المدافع والبنادق سبعمائة حمل ، ومعه جميع المنتفق ، وأهل الشط ، والمجرة ، والنجادى ، وشمر ، وغالب طيء ، وغيرهم من الخلق ))).
ونتوقف هنا قليلا لنذكر تعريف بالحواضر والمناطق الحضرية التابعة لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله التي ذكرت بنصوص مؤرخين الدولة السعودية الأولى. حيث تنتشر قلاع مملكة المنتفق بشكل عام على هذه المناطق المذكورة وعلى غيرها من المناطق في مملكة المنتفق ، وتمتلك مملكة المنتفق عددا كبيرا من القلاع والتي تنتشر على ضفتي نهر الفرات من شمال مدينة السماوة وحتى القرنة (ملتقى دجلة والفرات) بطول أكثر من 300 كلم ثم على ضفتي شط العرب من القرنه وحتى الخليج العربي بطول أكثر من 200 كلم ، يذكر خورشيد باشا في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية ، قلاع مملكة المنتفق على امتداد ضفتي الفرات من شمال السماوة وحتى القرنه وعلى امتداد ضفتي شط العرب من القرنه وحتى مصب شط العرب في الخليج ، وذلك عند حديثه عن مدن وقرى مملكة المنتفق وعن حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها في تلك الفترة (فترة اشتراكه في لجنة الحدود) ، وخورشيد باشا اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ، ص: 53 (((أما قرية السماوة فيبلغ عدد بيوتها اقل من نصف بيوت سوق الشيوخ ولكنها تسمى بالقصبة أيضا فلم نصل إليها ولكن قيل لنا يوجد فيها بعض الأماكن الجميلة كما يملك شيخ المشايخ قرى أخرى مثل الشطرة وطالبة وغليظة، والتي يمكن ملاحظة أهميتها من عدد سكانها كما ذكرت في القائمة. يضاف إلى ذلك فهم يملكون اعداد كبيرة من القلاع المسماة بالكوت والممتدة من السماوة وحتى مقاطعة الدواسر الواقعة بالقرب من خليج البصرة والمنتشرة على جانبي الفرات وشط العرب))). ونبدأ أولا بمنطقة المجرة وهي المنطقة عالية الكثافة السكانية على نهر الفرات والتي تقع بين عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ وهور الحمار ، يذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، في كتابه الكويت وجاراتها ، ج:1 ، ص: 159 ((( المجرة: اسم عام يطلق على قبائل منطقة سوق الشيوخ التي تسكن على الضفة اليمنى من الفرات بين سوق الشيوخ وبحيرة الحمار))). ثانيا منطقة شط العرب الممتدة على جانبي شط العرب بطول 218 كلم ، يذكر السيد عبدالرزاق الحسني ، في كتابه العراق قديما وحديثا، ص: 72 ((( يبدا (شط العرب) في (قصبة القرنه) الواقعه على مسافة (75 ) كيلومترا من البصرة شمالا ، وينتهي الى الخليج العربي جنوبي (قرية الفاو) فيبلغ طوله (218) كيلومترا ، ويتراوح عرضه من 400 مترالى 1200متر ))). وقد كانت الفاو عند نهاية شط العرب من ملحقات أرض كبيرة اسمها المعامر ، والمعامر مقاطعة زراعية شمالي الفاو كانت تسمى الدكاك، وعمرها الأمير راشد بن ثامر السعدون، وأطلق عليها هذا الاسم، وقد أُرخ تعميرها بعبارة (تعامير راشد)، سنة 1226هـ، وكانت الفاو من ملحقات المعامر إلى أن أهداها الامير راشد السعدون إلى شيخ الكويت الشيخ جابر الصباح. يذكر مؤرخ الكويت الأول الشيخ عبد العزيز الرشيد ، في كتابه تاريخ الكويت ، وذلك عند حديثه عن العرض الذي عرضه الأمير راشد بن ثامر السعدون على الشيخ جابر شيخ الكويت كمكافأة له، وذلك لكرمهم مع الأمير راشد بن ثامر السعدون، ص: 120 (((فعرض عليه بعد أن رجع إلى مقره (المعامر) بأسرها أو (ثلاثة حواز من الفاو) مكافأة له على افضاله فاختار الثلاثة الاحواز وضرب باختيار ابنائه (المعامر) الحائط وانما اختار مااختار على قلته وترك ماهو أكثر منه واعمر لان للفاو مستقبلا لايتسنى للمعامر نظرا لكون الفاو على شاطيء البحر والجهات التي تكون كذلك يطرد اتساع اراضها وزيادتها لتقدم الشاطيء في البحر بسبب مايرميه النهر هناك من الطين وغيره. ويقال في سبب المكافأة ان راشدا نزل خارج الكويت في أحد اسفاره ولم يكن جابر فيها فقامت اخته (مريم) مقامه في اكرام الزائر وتقديم الضيافة اللازمة له، فأكبر راشد نباهة تلك المرأة وكرمها الحاتمي الذي أخجلته به فرأى من الواجب عليه أمام ذلك الاكرام ان يقوم بأمر يقابل ذلك الفضل والعطف ففعل مافعل))). وتقع بين منطقة المجرة ومنطقة شط العرب منطقة الجزائر وبحيرة هور الحمار (أكبر بحيرة في العراق) ، يذكر السيد عبدالرزاق الحسني ، في كتابه العراق قديما وحديثا، ص: 9 ((( بحيرة الحمار التي تبلغ مساحتها (2500) كيلومتر مربع ، وتقع جنوبي العراق بين البصرة والناصرية ))) ، ويذكر هذه الثلاث مناطق الواقعة في مملكة المنتفق (المجرة والجزائر وشط العرب) المؤرخ النجدي عبدالله بن محمد البسام التميمي (المولود عام 1858م والمتوفى بعنيزة عام 1927م ) ، عند حديثه عن قبائل المنتفق في البصرة ، وعند حديثه عن المنطقة الواقعه في وسط مملكة المنتفق (مابين البصرة وسوق الشيوخ) ، كما يذكر الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل سعدون الأشراف) ، في كتابه تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق , ص: 338(((وصار كل قبيلة منهم لهم نخيل معروفة وقرى معلومة من البصرة وأيديهم عليها . واستمرت بعدهم في أيدي أولادهم ثم أولاد أولادهم , وجعلوها ملكا لهم وعجز عنهم صاحب بغداد , وكانت الرئاسة على المنتفق لآل سعدون من آل شبيب وصاروا ملوكا وملكوا البصرة وسوق الشيوخ ومابينهما من باد وحاضر فهو تحت ايديهم))). وهذه صورة توضح هذه المناطق:
سجل لمشاهدة الروابط
أخيرا النجادى ، وهو مصطلح كان يطلق على أهل نجد من الحاضرة الساكنين في العراق ، حيث كان معظم المهاجرين الى العراق من حواضر نجد يتواجدون في المناطق التابعة لمملكة المنتفق ( اما في العاصمة مدينة سوق الشيوخ أو بلدة الزبير) ، يذكر أهل نجد المقيمون في العراق في فترة حكم الأمير ثويني بن عبدالله ، المؤرخ والشاعر خالد الفرج المعاصر للملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) ، وذلك عند حديثه عن سليمان باشا والي بغداد (في القرن الثامن عشر) وعن المساعدة التي قدمها له حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، ويذكر المؤرخ بعض القبائل والحواضر التابعه للأمير ثويني بن عبدالله وهم عرب المنتفق وشمر العراق وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ، كتاب الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 203 ((( وساعده على ذلك عرب المنتفق وشمر العراق ، وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ومتولي كبرهم ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع الشبيبي ، وهو هاشمي النسب ، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات الى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق ، وكادت تستقل بحكمه))). ويضاف لهذه المناطق التابعة لمملكة المنتفق أيضا: منطقة الجزيرة السفلية (مابين دجلة والفرات) والتي يمر بها نهر الغراف ، ومنطقة نهر دجلة من القرنه والى شمال العمارة ، ومنطقة البادية العراقية الممتدة من شمال الأحساء وشمال نجد وحتى شمال السماوة.
نعود للأحداث ومسار جيش حاكم مملكة المنتفق ، حيث حاصر جيش الأمير ثويني بن عبدالله بلدة التنومة أول بلدة تابعه لأمير القصيم وصلها الجيش في طريقه الى بريدة وتم دكها بالمدافع وأقتحمها الجيش ، وقتل من رجالها في أثناء اقتحامها 170 رجلا وتم بعد ذلك طرد سكانها بشكل كامل. ويذكر ابن بشر مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد أن الجنود دخلوا البلدة بخدعة الآمان بينما يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري بأن الجنود اقتحموها بعد ان استطاعوا تسلق أسوارها. ثم أتجه جيش الأمير ثويني بن عبدالله لمدينة بريده وحاصرها وضربها بالمدافع محاولا إقتحامها وفي هذه الأثناء قدم من العراق الشيخ سليمان الشاوي (شيخ قبيلة العبيد قرب بغداد) هاربا من العثمانيين (الذين كانوا يطاردونه) وطالبا اللجوء من الأمير ثويني بن عبدالله الذي وعده بالحماية الكاملة من العثمانيين، يذكر الحملة العثمانية التي طاردت شيخ قبيلة العبيد سليمان الشاوي وانسحاب هذا الشيخ والتجاؤه الى حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله - الذي كان وقتها محاصرا لمدينة بريدة ، المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 186 ((( بينا آنفا ان الحملة التي تشكلت بقيادة احمد كيهة، كانت قد واصلت سيرها حتى بلغت المكان الذي تحصن فيه الحاج سليمان وهو المسمى ابيرة، ووقع بينهما صدام خفيف فر على أثره الحاج ومن معه نحو المنتفك والتجأ الى شيخ ثويني، وعلى العادة العربية قبله هذا وتعهد بمساعدته والدفاع عنه، وتكاتبوا مع شيخ الخزاعل حمد الحمود يسألونه ان ينضم اليهم فوافق على ذلك))). وقد أدرك الأمير ثويني بن عبدالله أن الوقت قد حان لطرد العثمانيين من العراق بشكل كامل ، وأن يوحد العراق كله تحت حكمه ، لذلك أمر الأمير ثويني بن عبدالله الجيش بالعودة للعراق ، وطلب من الشيخ سليمان الشاوي مراسلة الشيخ حمد الحمود (شيخ قبائل الخزاعل) للإنضمام اليهم فيما كانوا يخططون له ، وقد وافق على ذلك الشيخ حمد الحمود . يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد السادس ، ص 119 ((( ثم أن الحاج سليمان الشاوي ذهب الى ثويني شيخ المنتفق فناصره وكتب الى حمد الحمود شيخ الخزاعل أن يتفق معهما فوافق . ولذا أمر ثويني أن تتجمع العشائر وتتأهب للحرب فأعدوا للأمر عدته ))).
يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، عند حديثه عن تحرك جيش الأمير ثويني بن عبدالله من التنومة الى بريدة ثم وصول الأخبار بالاضطراب الذي حدث في العراق عند محاولة العثمانيين الفتك بشيخ قبيلة العبيد ومن ثم مطاردته ، ج:1 ، ص: 159 ((( ثم ارتحل منها بجنوده، وقصد بلد بريدة ونزلها وحصل بينه وبين أهلها بعض القتال، فبينما هو محاصرها بجنوده أتاه الخبر بأنه وقع في أوطانه اختلاف وخلل، فارتحل منها راجعا))). ويذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 164 ((( واتجه منها الى بلدة (بريدة) وناوش أهلها الحرب ، وهم بأن ينزل بأهلها بطشه لولا ماأتاه من أن اضطرابا قد حدث في بلاده بعد خروجه منها ، فاضطر الى أن يرجع اليها ويفك حصاره عن بريدة))). ويذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله، ص: 405 (((وكاد أن يخضع بتلك الجموع سائر أنحاء نجد لتوفر قوته ولكن بينما هو يحتل الأراضي النجدية، وإذا بمخبر يخبره بحدوث خلل في العراق))).
وبينما كان جيش الأمير ثويني بن عبدالله يتحرك عائدا للعراق ، هاجمه مجموعة صغيرة من سكان بريدة الا انهم قتلوا اثناء محاولته العودة الى داخل أسوار البلدة ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ، ص: 165 ((( فلما عزم على الرجوع خرج من أهل (بريدة) نحو سبعة رجال أرادوا أن ينتقموا من مؤخرة الجيش فيقتلوا من يستطيعو قتله ، فانثنى عليهم بعض فرسان الجيش ولحقوهم قبل أن يدخلوا في أسوار البلدة وقتلوهم))). ويلخص المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم الأحداث منذ حدوث الإنشقاق بالأسرة الحاكمة في دولة بني خالد وحتى عودة الأمير ثويني بن عبدالله للعراق بعد رفعه الحصار عن مدينة بريدة ، في كتابه البدو , ج 3 , ص: 200 (((بعد وقت قصير حدث نزاع جديد في عائله الأمراء. فقد فر عبدالمحسن بن سرداح إلى شيخ المنتفق ثويني ، لأنه شعر بأن سعدون يهدده. وعندما دخل ثويني إلى شرقي الجزيرة العربية ومعه عبدالمحسن انتقل اليه فرعان من قبائل بني خالد, هما المهاشير و الصبيح . ففر سعدون إلى الدرعيه. في بادئ الأمر تردد عبد العزيز آل سعود لأنه لم يكن يريد حدوث قطيعه بينه وبين ثويني ، ولكنه قرر في النهايه تحت إلحاح محمد بن عبد الوهاب قبول اللاجى سعدون (1785م). وبالفعل فقد أعلن ثويني إنهاء صداقته مع الوهابيين. وفي خريف 1786م دخل إلى القصيم على رأس جيش قوي ، ولكنه تخلى عن حصاره لبريده لأن هدفا أكبر كان يلوح له في بلده ))) . والهدف الأكبر هنا هو مايدور حوله هذا البحث.
في هذه الأثناء كان الأمير عبدالمحسن السرداح قد بلغه أن ثويني قد قام بحملة على القصيم لذلك تحرك الأمير عبدالمحسن السرداح بجنود دولة بني خالد عبر الدهناء لمساندة حليفه الأمير ثويني بن عبدالله والذي ساعده هو والأمير دويحس بن عريعر على الوصول لحكم دولة بني خالد في السنة السابقه ، ولكنه عندما قطع الدهناء بلغه رجوع الأمير ثويني بن عبدالله للعراق لذلك رجع بجنوده للأحساء ، يذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية (المعاصر للأحداث) ، ولد قبل عام 1768م وتوفي عام 1844م، كتاب تاريخ ابن لعبون ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية , ص: 197 ((( وكان عبدالمحسن بن سرداح قد سار ببني خالد يريد مساعدة ثويني على أهل نجد ، فلما وصل ومعه جميع بني خالد وأهل الأحساء ، وقطع الدهناء ، بلغه رجوع ثويني فرجع))). وبعد رجوع قوات الأمير ثويني بن عبدالله الى العراق قام أمير بلدة عنيزه بهدم الجناح بسبب مكاتبة أهل الجناح للأمير ثويني بن عبدالله قبل تحركه الى القصيم ، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى (مؤرخ الدول السعودية الثلاثة) ، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، حوادث سنة 1201هـ ، ص: 83 ((( وفي هذه السنة هدم الجناح المعروف في عنيزة , هدمه عبدالله بن رشيد أمير بلد عنيزة تجملا مع ابن سعود بسبب مكاتبة أهل الجناح لثويني))). ويشير المستشرق والرحالة الإنجليزي تشارلز م . دوتي ، الى أن الجناح كانت في تلك الفترة تحت نفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، وذلك في كتابه ترحال في صحراء الجزيرة العربية ، الجزء الثاني – المجلد الثاني ، ص: 42 ((( كانت جناح , مع بداية القوة الوهابية , محكومة بواسطة ثويني Thueyny المنتفق el- Muntefik وهو كبير شيوخ بلاد النهر بالشمال , ولكن عنيزة كانت متحالفة مع الوهابي . وجرى هزيمة سكان جناح من بني خالد في الاضطرابات التي تلت ذلك , الأمر الذي اضطرهم للتخلي عن المكان ))). ويصف الرحالة هنا حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله بأنه كبير شيوخ قبائل العراق.