سلسلة قصص البدو الظرفاء(6)
بشت اللويحان
هذا رجل من أهل بريدة يدعى سليمان العثمان لقبه أبو علي ..
كان اشترى من الشاعر المعروف عبدالله اللويحان
(بشت) بأربعة وعشرين ريالا فرنسياً (والمقصود هنا:فرانس وليس عملة فرنسا)
دفع منها أربع ريالات إلا أنه أخذ يماطل في دفع البقية
وكلما طالبه اللويحان ضرب موعدا جديدا, ثم لا يفي بوعده.
فما كان من اللويحان إلا قال هذه الأبيات :
أوي والله خطيـه ظاهـره يابـو علـيـان
أكلت بشتي وانا احسبك رفيقٍ لـي وغالـي
يوم المداخيـل يازينـك تشعشـع ياكحيـلان
وصلت منه اربعه مير الفخر عنـد التوالـي
إن جيت أباأطلبك حقي قلت مهله يالويحـان
أبا البس البشت والبيزات أبا اوكلها عيالـي
برّقـت وإلا قليـل المـال للدّيـان سلطـان
إن جيت أبا اشكيه قال القصر شف بابه قبالي
أما أبو علي حين سمع هذه الأبيات وكانت تربطه علاقة صداقة بالشاعر المشهور سليمان بن شريم
طلب منه المساعدة بأبيات يرد بها على اللويحان
خاصةٍ وأنه لا يقرض الشعر.. فقال ابن شريم على لسانه:
دينتني سمط بشتٍ بايدٍ مع كـل مـا كـان
لو هو عطا منك ياريف النضا ما هوب غالي
والله لو أنه حضرني يوم تطلبنـي سليمـان
إني لأخلصك مخلاص الرجال من الرجالـي
أثرك رفيق الضحى وأنت أول الغاره مسيان
سايوس قومٍ تدوّر زلـة الصهـر الموالـي
فلما سمعها اللويحان, وعرف أن الرد جاء من ابن شريم
لأن صاحب البشت لا يجيد الشعر..أجاب على هذه الأبيات موجها كلامه إلى سليمان بن شريم
يقول له بما أنك صديق وعرفت القصة
فلماذا لم تطالبه بدفع ما عليه بدل أن تدافع عنه:
وراك يوم التزم لـك بالوفـا خلـك سليمـان
ما قلت سلّم دراهـم يـومٍ حضـرت المجالـي
إما يسلّـم نقـود ويتبـع الأحسـان باحسـان
وإلا توخـر شـداده مـا يسلـم والجـزالـي
ما خبر من قدّم المعـروف وانكرتـه بجحـدان
ألزي على عشرته واثبت كما النجـم الشمالـي
لاشك أبا اصبر وابفهق لين اشوف البيت مليان
فإلى وجددت الوفا لأيـاك تطمـع فـي حلالـي
ولا انت مثل الربا فـإن الربـا زوده بنقصـان
مثل الذي مايشوف الشمس ويشوف الهلالـي
لا تهمّك ثيابي!
الشاعر سليمان العبدالكريم العويس..شاعر متمكن, وهو من شعراء القلطة وله مساجلات مع شعراء عدة.
كان سريع البديهة.. فقد قال له شخص التقى به, لماذا هدومك كلها زيت؟!.. فرد عليه بسرعة:
عرضي نظيف ولا تهمك ثيابـي
لو تمتلي ديزل ولو تمتلي زيـت
ولا نظيفٍ مـن وراه المرابـي
الألف بألف ويتبعه قول ما اوفيت
ما يدري ان الوقت بار وكبابـي
أجمع وتأكله المصاريف تشتيـت
بالبيت من يمشي.. والبيت حابي
واضف على هذا بعد كروة البيت
وسأله أحدهم ذات يوم: منذ مدة ما سمعنا من شعرك شيئا؟!.. وكان السائل مرتاحا بينما شاعرنا كان تعرض قبل قليل للمطالبة بأجرة البيت..فرد عليه:
يا سائلٍ عنّي تبـي منّـي أخبـار
انشد ومن عندي تجيـك الافـاده
اعطيك علمٍ صـاغ وزنٍ بمعيـار
واصححه عـن لا يجيبـه زيـاده
قاسيت ما قاسيت من شوح الاكدار
عندي على نطح المتاعب جـلاده
بلشٍ عن الأشعار في كروة الـدار
لله فـي خلقـه تصّـرف وإراده
ولما سلّم عليه أحد الأشخاص,قال له : يدك خشنة! وكان سليمان يعمل بيده, فأجابه:
حرشا يدي ولا يقال أقطعوهـا
خشونتي ولا النعومة الإفـلاس
شغلة شرف كل الرجال ايدوهـا
الكد أخير من التوسل إلى الناس
وكان.. عندما أزعجه صاحب البيت, يطالبه بالإيجار, قد ضاق ذرعا بحاله..فقال:
ياليـت لـي فلـةٍ يـم الكواكـب هنـاك
لـو وجهـوا سـام ماجاهـا ولا طالهـا
اسكن بها ما يجينـي ريـب ولا ارتبـاك
مامر بعض البشـر مـن عنـد مدخالهـا
وإيدي بالأرض .. واشبك ما يناسب شباك
لا ناسبتنـي حمـام السـدرة اشتالـهـا
ما احد يقول انت لي وشبك ولا وش وراك
يختم على أفواهها .. وبيدينـه أغلالهـا
وفي وقت آخر.. ربما تغيرت حياته إلى الأفضل قليلا بينما بقي يلازمه حظه الأول في علاقاته مع من حوله.
فقد كان عنده ثلاث سيارات لنقل الماء, فقام بوضع خيمة صغيرة في أرض خالية لتكون استراحة لسواويق السيارات قريبا من الماء.
فجاءه رجل قائلا: هذه الأرض ملك خاص وعليك أن تزيل خيمتك بأسرع وقت.
ولم تفد محاولاته لإبقاء الخيمة لمدة وجيزة, حيث اضطر إلى اقتلاعها ونصبها في أرض أخرى.
وما كاد يشيدها, إلا وجاءه رجل آخر يطلب منه ازالتها لأنها تقع على أرضه الخاصة.
وربما بعد محاولات مستميتة استطاع أن يقنع الرجل ببقاء الخيمة لمدة أيام قليلة.. فقال سليمان العويس في ذلك:
في طريق الخرج بأيمن خنشليلـه
بانيٍ لي خيمـةٍ بيـن الكبـاري
قالوا التجار مـا احدثتـه تزيلـه
خيمتك شلها قبل تطرد اجبـاري
قلت خلّوني ولو عشريـن ليلـه
اتصل في كل ما سمّـي عقـاري
ليت ما كوك الفضاء عندي رحيله
يوم ضاقت بي وسيعات الصحاري
ومن طرائف الشاعر سليمان العويس أنه لم يكن التقى الشاعر المشهور زبن بن عمير, وليس بينهم معرفة.
وفي أحد الأيام بينما كان يقود سيارته في الشارع, شاهد رجلا يحمل حزمة بلاسيم.. فلما اقترب منه, توقف وقال:
ــ ( تفضل.. نقرّبك من محلّك يابن الحلال )!
فقال الرجل:
ــ ( وين أحط البرسيم )؟!
فقال له سليمان:
ــ ( حطه على ظهر الموتر ).
فوضعه الرجل وشد عليه الحبل, وركب إلى جانبه فقال له سليمان مداعبا وهو لا يعرفه:
يا راعي القت قتّك جوّده لا يطيـح
تبات شاتك على الرجلين في جوعها
فقال الرجل:
أخذتني بالضمان إن كان هرجك صحيح
هرجتك ما ناب عارفهـا وموضوعهـا
قال سليمان:
يا عود ابنشدك بالله خل هرجك صريـح
كان انت (زبن) اترك الهرجه وموضوعها
فأجابه بأنه زبن بن عمير بالفعل, فحدث التعارف بينهما وامتدت الصداقة بينهما بعد ذلك.
|