عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-2012, 10:31 PM   #5
عضــو لامـــــي
 

الصورة الرمزية ولد الأشراف
 

تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 25
آخـر مواضيعي
 

افتراضي




5- الغزو الفارسي الكبير للعراق 1775م – وموقف العثمانيين والدول العربية منه:

من هنا تبدا الأحداث الكبيرة في تاريخ الأمير ثويني بن عبدالله ، حيث كان حاكم الدولة الفارسية ينظر الى الموانئ العربية على الخليج العربي بنظره يملؤها الحسد وخصوصا ميناء البصرة ، لذلك أراد السيطرة على هذه الموانيء وفي حالة عدم القدرة على ذلك سوف يسعى لتدميرها ، وكان هذا الحاكم أيضا كغيره من الحكام الفرس يسعى الى ضم العراق لحكمه وفي حالة عدم القدرة على ذلك سوف يسعى لتدميره ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 145 ((( تعد البصرة مفتاح العراق الجنوبي وميناءه الكبير على الخليج العربي، وكان لذلك الموقع علاقة قوية بالقوى المتصارعه في هذه المنطقة خلال العصور الحديثة، والذي يهمنا في هذا الصدد هو أن البصرة أصبحت مهددة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ، بقوة فارس المتزايدة على أيام حاكمها كريم خان الزندي ... أخذ كريم خان ينظر الى ازدهار تجارة البصرة بعين ملؤها الحسد والغيرة، لأنه أراد أن يكون هذا الازدهار من نصيب الموانيء الفارسية على الخليج العربي، واعتقد بأن هذا الأمر لن يتم الا باحتلال البصرة والقضاء على منافستها لموانئ بلاده. وعلى الرغم من الاتصالات التي جرت بين وكلاء شركة الهند الشرقية الانكليزية وكريم خان حول اجراء تعديلات في هذا الموقف لصالحه، الا أنه صرح بأن البصرة قد استأثرت بكل تجارة الهند مع الانكليز، ممايستبعد الموانيء الفارسية عن ذلك، وعلى هذا فانه سينتقم عن طريق تدمير البصرة))).

وقد بدأ كريم خان الزندي بتنفيذ تهديداته في عام 1773م ، حيث قام بالإستيلاء على سفينة إنجليزية خارجه من البصرة واستخدمها كوسيلة ضغط على الإنجليز للعودة الى موانئ فارس تجاريا ، الا ان هذا الأمر لم يحقق له ما أراد ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 147 ((( بدأ كريم خان منذ عام 1773 يعد العدة لوضع تهديداته موضع التنفيذ. وفي العام نفسه انتشر وباء الطاعون في البصرة فغادرها وكلاء شركة الهند الشرقية الانكليزية، ولكنهم وقعوا في الأسر بيد حلفائه، الذين استولوا على سفينة الشركة تايكر tyger ، ونقلوا من كانوا عليها الى شيراز. فقد كانت هذه العملية وسيلة للضغط على الانكليز واجبارهم على اعادة علاقاتهم التجارية مع الموانئ الفارسية، بخاصة ميناء بوشهر، لكن هذا الأمر لم يحقق نتائجه المرجوة. وعلى ذلك، وبعد فشل حجج كريم خان وذرائعه المتعددة، قرر أن يبعث حملة ضد ميناء البصرة))). لذلك قام حاكم الدولة الفارسية (كريم خان الزند) بالتجهيز لحملة ضخمة تستهدف احتلال البصرة وتحويلها كنقطة انطلاق تجاه بقية العراق وشمال وشرق الجزيرة العربية حتى دولة عمان ، ولكي يموه عن هدفه الأساسي قام بأمرين ، الأمر الأول هو مهاجمة موانئ دولة بني خالد بأسطول من دولة بني كعب (حلفاؤه في تلك الفترة) ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عند حديثه عن موانئ دولة بني خالد، ص: 370 ((( وقد كانت القطيف تتمتع بحجم لا بأس به من التجارة ، فعندما هاجم بنو كعب القطيف سنة 1188هـ / 1774م ذكر أنهم استولوا على كميات كبيرة من البضائع))). والأمر الأخر هو الهجوم الفارسي على شمال العراق بريا ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 210 ((( كانت مهاجمة الفرس لشمال العراق جزءا من عمليات التمويه والتضليل الفارسية، ذلك لأنه في الوقت الذي جرت فيه تلك العمليات، فان استعدادات كبيرة اتخذت في فارس لغزو البصرة، وعلى ذلك ، لم تكن العمليات الفارسية في شمال العراق الا من باب الاشغال وصرف الأنظار))).

ثم بدأ حاكم الدولة الفارسية بالإنطلاق تجاه البصرة بحملة ضخمة مكونة من خمسين ألف مقاتل ومزوده بالمدافع ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج4 , ص: 1848 ((( وبعدها بيومين , أي في 15 يناير 1775 , وصلت الأنباء الى الوكالة البريطانية في البصرة , عن طريق بوشهر , بأن جيشا ايرانيا من 50 ألف رجل قد غادر شيراز بالفعل بقيادة صديق خان شقيق الوكيل لمهاجمة البصرة ))). وبدأت طلائع هذه القوات والمقدرة بثلاثين ألف مقاتل بالتمركز على شط العرب من جهة الدولة الفارسية وذلك انتظارا لوصول بقية الجيش مع المدفعية ، وقد وجدت القوات الفارسية في الضفة المقابلة قوات كبيرة لمملكة المنتفق عسكرت منذ عدة أيام بقيادة حاكمها الأمير عبدالله بن محمد والذي تحرك بقواته عندما وصله من العثمانيين خبر تحرك الفرس وذلك في محاولة منه لمنع الفرس من عبور شط العرب ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج ، الجزء التاريخي ، ج:4 ، ص: 1849 ((( وفي صباح 16 مارس وصلت الأنباء الى البصرة بظهور طليعة الجيش الايراني ومعظم فرقه الأخرى المؤلفة من 30 ألف راكب وراجل الى مصب صويب أحد روافد شط العرب على الضفة اليسرى من النهر الرئيسي ، وعلى مسافة 35 ميلا أعلى البصرة ، وكان منتظرا وصول المؤخرة ، وبها المدفعية والقائد العام ، خلال يومين . وقد وجد الأيرانيين أنفسهم في أول الأمر في مواجهة قوات عربية كبيرة عسكرت منذ أيام على الضفة اليمنى من شط العرب ، لتمنع عبور الغزاة))). ثم شاهدت قوات المنتفق السفن الفارسية المزوده بالمدافع تتجهز لقصف الشاطىء تمهيدا للإنزال البحري فيه لذلك أدركوا استحالة صد الإنزال الفارسي على ضفة النهر الا بتدخل السفن العثمانية ، تبع ذلك قيام أسطول دولة بني كعب بسد مدخل شط العرب مما أجبر قوات المنتفق على ترك هذه الجبهة والإنسحاب الى الداخل ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج:4 ، ص: 89 ((( وعندما عبر الجيش الفارسي ، قادما من الحويزة ، شط العرب تحت القرنه ، قطع أسطول كعب خط سفن الحجز التركية ووضع نفسه تحت تصرف الفرس لنقل المؤن والذخائر))). ويذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 198 ((( وعلى ذلك فقد استطاع كريم خان تجهيز ثلاثين سفينة حربية محمله بالمدافع عند غزوه للبصرة ، وكانت هذه المدافع تستطيع ضرب المدينة من الماء، وتسند محاولات الجنود الذين يقاتلون في البر))). انسحب حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد من شط العرب بعد اتضاح استحالة منع القوات الفارسية من عبور النهر بدون تواجد قوات بحرية تصد السفن الفارسية المزوده بالمدافع القادرة على قصف الشاطيء ، واتجه برفقة 15 ألف مقاتل من جنوده الى بلدة الزبير التابعة له وعسكر حولها لحمايتها ، وارسل لوالي البصرة العثماني يخبره بتعهد مملكة المنتفق بالدفاع عن مدينة البصرة ، وقد أرسل ابن أخيه الأمير ثامر بن سعدون بقوات الى داخل مدينة البصرة لتدعم القوات التي أرسلت مسبقا للبصرة بقيادة ابنه الأمير ثويني بن عبدالله ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 179 ((( عهد لقبائل المنتفق، بقيادة الامام عبدالله السعدون، أن ترابط على الجانب الغربي في شط العرب، وذلك للحيلولة دون عبور القوات الفارسية النهر. غير ان الامام عبدالله قد انسحب من مواقعه عندما بدأت القوات الفارسية تعبر النهر في السابع عشر من آذار 1775م. وصل الامام عبدالله السعدون في مطلع نيسان بقواته المؤلفة، كمايقول بارسنز، من خمسة عشر ألف رجل، الى الزبير ، التي تبعد 12 ميلا عن البصرة، ووعد بتقديم مساعدته الى الحكومة في الدفاع عن المدينة))). ويذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث, ص: 228 ((( هذا عدا عن ماحدث من رجوع قسم من شيوخ المنتفك للانجاد كالشيخ ثامر , وقد ابقي في البصرة , والشيخ عبدالله وقد اضطلع بحماية الزبير ))). وقد أسست مملكة المنتفق معسكر قوي كخط دفاعي لها بالزبير وتم تخزين كمية كبيرة جدا من الأمدادات هناك.

ثم بدأت القوات الفارسية بحصار البصرة والتمركز حولها في حصار طويل استمر لاكثر من سنة وشاركت في الدفاع عن البصرة خلال هذه المدة قوات من ثلاث دول عربية أدركت كلها خطورة التحرك الفارسي على وجودها ، وهذه الدول هي دولة عمان ودولة بني خالد ومملكة المنتفق ، يذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون , ص: 512 ((( وفي سنة 1189: حاصر العجم البصرة . سار بهم كريم خان الزندي . واستمر الحصار سنة ونصف , ومتسلمها من جهة الروم سليمان باشا وفيها : ثويني بن عبدالله آل شبيب وغيره من المنتفق والعرب))).

استمرت محاولات إقتحام المدينة طوال فترة الحصار ، ومنها ماحصل في يوم 9 ابريل عندما حاول الإيرانيون اقتحام المدينة الساعة الثانية بعد منتصف الليل الا ان قوات الأمير ثامر بن سعدون آل شبيب قد صدتهم في معركة استمرت ساعتين (في ليلة مظلمه) وقتلت منهم 21 مقاتل وقامت قوات المنتفق بتعليق روؤسهم خارج أسوار البصرة ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج4 , ص: 1858 ((( وفي حوالي الساعه الثانيه من صباح 9 ابريل ، وكانت الليلة تامة الاظلام بلا قمر ولا نجوم حاولت جماعات من الايرانيين تسلق الأسوار في أماكن مختلفة بين بوابتي الزبير وبغداد ، ودار القتال رجلا لرجل بين المهاجمين والمدافعين واستمر التلاحم أكثر من ساعتين ... وحين انتشر ضياء النهار تبين أن المدافعين عن البصرة استطاعوا صد الهجوم ، ورأى مستر بارسونز بعد ذلك 21 رأسا من رؤوس الايرانيين معلقة على بوابتي الزبير وبغداد ... وظهر أن الفضل الأكبر في صد هجوم الأيرانيين الليلة الماضية كان يرجع للشيخ ثامر ورجاله المحاربين))). وهذه خريطة توضح البوابتين اللتين حاول الأيرانيون اقتحامها في تلك الليلة:

سجل لمشاهدة الروابط

لقد كان أخر ذكر تاريخي لحاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد في هذه الأحداث ، حيث يرد حدث يدل على وفاته في هذه الأثناء ، فقد وصل لعلم الإيرانيين أن قوات مملكة المنتفق قد انسحبت من معسكرها القريب من الزبير وبشكل مفاجىء وتركت خلفها الكثير من مواد التموين (مايكفي لتموين البصرة لمدة شهرين) ، وعندما اتجهت القوات الفارسية لمكان المعسكر وجدوه خاليا من الجنود والذين تركوا خلفهم مواد التموين، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , عند تقديره لحجم مواد التموين التي غنمها الفرس من المعسكر الخالي من الجنود ،ج4 , ص: 1858 ((( والتي جاء عنها في أحد التقديرات أنها تكفي تموين البصرة كلها شهرين كاملين))). ويمكننا أن نتستنتج بشكل شبه مؤكد من هذا الحدث وفاة حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب في هذه الأثناء وخوف معسكره من وصول الخبر للفرس واستغلالهم لهذا الخبر بالهجوم على معسكر مملكة المنتفق العسكري القريب جدا من معسكر الفرس ... لذا تم الإنسحاب من قبل الجنود بعتادهم العسكري فقط وتركوا المؤن والإمدادات الضخمه خلفهم حتى لاتبطيء انسحابهم وتجعلهم عرضه للهجوم.

استمرت قوات مملكة المنتفق وقبائلها بايصال الإمدادات الى مدينة البصرة المحاصرة وقد قامت قوات دولة بني خالد وقبائلها بنفس الدور أيضا، الا أن قوات المنتفق كانت تعاني من كونها يجب أن تحمي جبهتين الأولى الجبهة الفارسية والثانية شمال مملكة المنتفق وهي جبهة قبائل الخزاعل الذين تعاونوا مع الفرس ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص: 230 ((( وقد مكنت مؤازرة جماعات من المنتفك وبني خالد ، في خارج المدينة ، القوافل من الوصول الى المدينة المحاصرة بالرغم من تحالف المهاجمين مع الخزاعل واستفادتهم منها في مقابل ذلك))). يتحدث د. طارق نافع الحمداني ، عن متسلم البصرة وعلاقته ببني خالد، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، ص: 175 ((( لقد شعر بنو خالد بأن مصالحهم المختلفة، سواء المتعلقة بحماية القوافل التجارية الوافدة الى البصرة ، أو الحصول على المواد الغذائية، بخاصة التمور، سيلحقها الضرر جراء الحصار الفارسي للبصرة واحتلالها، لذلك وقف بنو خالد الى جانب متسلم البصرة في الدفاع عن المدينة ومساندتها. ففي المراحل الأولى من الحصار الفارسي قام بنو خالد، الى جانب المنتفق، بدور كبير في ايصال الامدادات الى المدينة))). ويتحدث، د. طارق نافع الحمداني ، عن متسلم البصرة العثماني وعلاقته بالمنتفق ، حيث كانت مدينة البصرة تقع بداخل أراضي مملكة المنتفق وسلطة المتسلم لاتتجاوز أسوارها ، وذلك في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، ص: 177 ((( حرص متسلم البصرة بشكل مستمر على كسب صداقة قبائل المنتفق، وذلك لضخامة قواتها القبلية، والتي كانت تشكل خير دعم له عندما تتعرض مدينة البصرة لخطر أو عدوان خارجي، بخاصة وأن سلطانه لم يكن يتعد أسوار المدينة نفسها))).

وبعد أن ضاق الحصار على البصرة وبدأ ينتشر بها الجوع ، وصل أسطول حاكم عمان في موقف عربي مشرف وهذا الأسطول مكون من أكثر من ثمانين سفينة كبيرة مزوده بالمدافع ، ومن عشرة آلاف مقاتل، ويحمل الكثير من التموينات لأهالي البصرة ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، عند حديثه عن أسطول عمان ، ص: 168 ((( كان مؤلفا من سفينة القيادة الرحماني، المصنوعة في بومباي، ومن 34 سفينة حربية، أربع منها بنيت في بومباي تحمل 44 مدفعا، وخمسة سفن من نوع الفرقاطة مزودة بـ (18 – 24) مدفعا، وأعداد كثيرة من السفن الصغيرة التي يتراوح تسليح كل منها مابين 8 الى 14 مدفعا، وقد بنيت الأخيرة في ميناء مسقط وغيره من الموانئ الأخرى. وكما تقدر المصادر العمانية نفسها، فقد كان عدد سفن الأسطول أكثر من ثمانين سفينة، وعلى متنها عشرة آلاف رجل وكميات كبيرة من المؤن الضرورية لمدينة البصرة))). وقد وصل الأسطول العماني كاستجابة من امام عمان الامام أحمد بن سعيد للطلب الموجه اليه من قبل الأمير ثامر بن سعدون آل شبيب والمحاصر في مدينة البصرة ، يذكر د. عماد عبدالسلام رؤوف ، في كتاب رحلة القائد العثماني سيدي علي التركي ، وهو الكتاب المتضمن لعدة أبحاث أخرى عن الجزيرة العربية والعراق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، ص: 101 ((( ففي أثناء حصار جيوش كريم خان الزند حاكم ايران مدينة البصرة سنة 1775م ، استجاب الامام أحمد بن سعيد (حكم من 1749م الى 1783م) لطلب من شيخ المنتفق ثامر بن سعدون للمساعدة في فك الحصار))). وقد وجد الأسطول مدخل شط العرب مسدودا بسلسلة كبيرة من قبل الفرس بالاضافة الى تواجد المدفعية على جانبيه لمنع اقتحامه ، وبعد انقطاع السلسلة في ليلة عاصفة دخلت القوات العمانية بسفنها شط العرب تحت قصف عنيف من المدفعية الفارسية والتي فشلت في ايقاف الهجوم العماني ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 169 ((( ولما كان الشط مسدودا بفعل السلاسل الحديدية المنصوبة عليه لعرقلة وصول الامدادات، فضلا عن المدفعية التي وضعها الفرس على طرفي السلسلة من جانبي النهر لغرض نفسه، فقد وقف الأسطول العماني منتظرا الفرصة الى نهاية شهر أيلول ... وفي منتصف شهر تشرين الأول، انقطعت السلسلة الحديدية المنصوبة على شط العرب، وذلك بفعل الرياح العاتية التي تعرضت لها، وقد اندهش رجال الأسطول العماني لهذه الصدفة الغريبة، ولذلك فقد اندفعوا بسرعة في اليوم التالي ودخلوا شط العرب. وعلى الرغم من الرياح الشديدة والقصف المدفعي الكثيف فقد دخل الأسطول العماني في 14 تشرين الأول مع خسائر طفيفة))). يذكر ج.ج. لوريمر في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج4 ، وصول الأسطول العماني, ص: 1865 (((وبعد القضاء على اسطول من السفن الايرانية يقوده الشيخ ناصر شيخ بوشهر وصل أسطول قوي أرسله امام عمان لمساندة الأتراك ، واتخذ الأسطول مواقعه عند مدخل شط العرب ، فأمن السيطرة على هذا النهر فترة ما ، وانتهزت هذه الفرصة لتوصيل الامدادات الى المدينة كي تستطيع الصمود والدفاع ))). ثم بعد مرور مدة على وصول الأسطول العماني الى البصرة بدأ الأسطول يعاني من نقص الامدادت بالإضافة الى وصول تعزيزات فارسية ، لذلك قرر قائد الأسطول العماني الإنسحاب الى بلاده خصوصا بعد انتشار أخبار ان الفرس سوف ينتقمون من دولة عمان بالهجوم عليها ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 172 ((( غير أنه بمضي الوقت أخذت مؤن العمانيين بالتناقص، ولم تصل النجدات لا من جانب السلطان العثماني في القسطنطينية ولا من عند والي بغداد، بينما كانت الامدادات في المؤن والرجال متواصلة للجانب الفارسي من شيراز، ومنها وصول قوة كبيرة يقودها علي محمد خان زند لتنضم الى قوات صادق خان. وبسبب هذه الأوضاع، كما تؤكد المصادر العمانية المحلية، انسحب الأسطول العماني الى بلاده وذلك في أوائل عام 1776م))). ويذكر أيضا عند حديثه عن أسباب انسحاب قائد الأسطول العماني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص:221 (((خشية تأثير النقص الحاصل في المؤن على جنوده، واحتمال قيام كريم خان بالهجوم على عمان مستغلا انشغال الأسطول العماني بمساعدة عرب البصرة))).

بعد انسحاب الأسطول العماني واصلت قوات مملكة المنتفق وقوات دولة بني خالد دعم المدينة المحاصرة وسهلوا وصول القوافل والامدادات اليها ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص:180 ((( والذي يمعن النظر في الدور الذي قامت به قبائل المنتفق، يجد بأن هذا الدور يزداد أهمية منذ انسحاب الأسطول العماني من البصرة في أوائل عام 1776م. ذلك لأن المدينة في هذا الوقت أخذت تعاني من نقص الامدادات بسبب وطأة الحصار الذي فرضه الفرس عليها، وقد مكنت مؤازرة جماعات من قبائل المنتفق وبني خالد في خارج المدينة المحاصرة، القوافل من الوصول اليها))). الا ان الحصار الفارسي أخذ يزداد قسوة ويقفل الطرق المؤدية الى المدينة بشكل أكثر إحكاما، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، ص: 175 ((( لقد افتقدت البصرة الكثير من المؤن بعد انسحاب الأسطول العماني منها مطلع عام 1776، وهنا قام بنو خالد باختراق بساتين النخيل بعمليات فدائية لايصال المؤن المطلوبة الى المدينة المحاصرة. من الواضح أن بني خالد الذين كانوا يتجولون على طول الشاطئ العربي مابين البصرة والقطيف، كانوا على علم بالمنطقة ودروبها. اذ كانوا يقددمون سنويا الى البصرة في موسم التمر للحصول على مايحتاجون اليه، ويبدو بأن هذا الأمر كان بموافقة متسلم البصرة أو قبائل المنتفق، التي كان لها النفوذ والسطوة على القبائل العربية المنتشرة في جنوب العراق حتى حدود الكويت. وعلى أية حال، فان انسحاب الأسطول العماني قد مكن صادق خان من تشديد حصاره للبصرة، وزيادة الدوريات الفارسية حولها، وهذا ماكان يعوق نشاطات بني خالد في ايصال التموينات الى المدينة، ومع ذلك فقد تسللت مجموعة صغيرة منهم عبر التحصينات الفارسية، ولكنها اصطدمت بقوة فارسية كبيرة مما اضطرها الى الانسحاب، وهذا ماكان يتماشى مع طريقة الكر والفر التي يقوم بها بنو خالد لاطريقة المجابهة المباشرة مع العدو المتفوق في العدة والسلاح))).

لقد كانت مدة حصار البصرة والتي وصلت الى سنة كاملة كافية الى وصول القوات العثمانية من القسطنطينية أو من بغداد ، لكن يبدو أن السلطان العثماني ووالي بغداد لم يكونوا يرغبون في تقديم مساعدة فعاله للمدينة المحاصرة ، وهذا ماأدى الى أحباط معنويات المدافعين عن المدينة من العرب، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج ،الجزء التاريخي ، ج:4 ، ص: 1804 ((( وكانت مدة السنة التي انقضت بين حصار البصرة وسقوطها كافية لوصول أي عون اليها من بغداد أو حتى القسطنطينية ، لكن يبدو أنه لا الباشا ، وهو (حاكم ضعيف وجشع) ولا السلطان كانا مستعدين لتقديم أي عون فعال للمدينة المحاصرة))). ومازاد الطين بله هو وصول رسالة من والي بغداد تأمر متسلم البصرة (سليمان) بتسليم المدينة للفرس ، وبذلك أيقن العرب تواطؤ والي بغداد مع الدولة الفارسية ضدهم ، لذلك قرر أهالي البصرة إرسال وفد للتفاوض مع الفرس لتسليم المدينة وأباحوا للفرس كل مافيها مقابل تعهد الفرس بسلامة النفوس والأعراض في موقف عصيب يعتبر من المأسي التي واجهها سكان البصرة تاريخيا ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 321 ((( ثم ظهر للأهالي بأن مصطفى باشا متباطن مع العجم وان كان متجاهرا بالبغض لهم أمام العامة. ثم كتب مصطفى باشا الى متسلم البصرة (سليمان بيك) بأن المدد من الدولة بطيء . فاما تصطلح مع العجم أو تسلم لهم البلدة. وكتب أيضا مصطفى باشا الى الدولة بأن صلحنا مع العجم انتظم وأن جيوشهم تفرقت عن البصرة وعادت الى مقرها. ولما وصل كتاب مصطفى باشا الى سليمان بيك قرأه على أعيان البصرة فعلموا حينئذ بالهلاك والبوار. وخرج جماعه منهم الى قائد العجم طالبين منهم الأمان للنفوس والأعراض))). وعند وصول هذه الأخبار الى قوات بني خالد ، أدركوا خطورة احتلال البصرة من قبل الفرس على دولتهم لذلك انسحبوا الى الأحساء للتجهز للأيام القادمة ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، انسحاب بني خالد ، ص: 231 ((( وقد انسحب بنو خالد الى واحاتهم ممعنين نحو الجنوب))). وقد انسحب أمراء المنتفق ( الأمير ثامر والأمير ثويني ) من داخل المدينة مع قواتهم بشكل سري ، قبل تسليمها من قبل واليها وسكانها.

وبعد أن تم تسليم المدينة ارتكب الفرس افعالا شنيعه واذلوا أهلها ، يذكر أفعال الفرس فيها المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 84 ((( فخرج جماعة من الأعيان طالبين من صادق خان الامان للنفوس والاعراض وأباحوا له ماسواهما، فدخل البصرة ولم يبق ماثم ومظالم الا ارتكب منها المتون، وعمل من فنون الظلم مالا تتصوره من غيره الظنون، وقبض على سليمان وجماعة من الاعيان فانالله وانا اليه راجعون. فضاق من أهلها ساحة الصبر ولاسيما وعلى المنابر يسب ابوبكر وعمر وعثمان في السر والجهر، ونودي بحي على خير العمل، وهرب العلماء ومن عز انخذل، واضحى كل مسجد دارسا ومواضع العلم بلا معلم ودراس، وامكنة التحديث اتخذت للحدث امكنة ، وامكنة اقامة الخمس لاكارم الصحابة ملعنة ، والاكابر ترسف بالاداهم ، والاعناق مطوقة باطواق المغارم ، وبدل من الانبساط العصي والسياط كم مخدرة تنادي واويلاه وحرة تقول واطول ليلاه حتى ظن ان يد العدل لاترى لها في البصرة بسطة)))).

ثم بدأ الحاكم الفارسي بالتجهيز للخطوة التالية وهي احتلال الساحل العربي بأكمله وصولا الى عمان للسيطرة على كل المؤانيء العربية فيه وقد كانت الخطوة الأولى لتنفيذ ما يسعى اليه هي اخضاع كامل العراق ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج4 , ص: 1869 , متحدثا عن كريم خان الزندي بعد احتلاله للبصرة ((( كما أمر بأن يقدم اليه وصف تفصيلي وواضح للبلاد الممتدة من البصرة باتجاه مسقط , ومن هذه التعليمات الأخيرة يبدو أن الوكيل لم يكن يهدف لأن يستغل هذا الأقليم ماليا فقط , بل وينوي أيضا اتخاذه قاعدة لفتوحات أخرى))). لقد أراد الحاكم الفارسي أيضا احتلال الدول العربية التي دعمت مدينة البصرة والانتقام منهم وهذه الدول هي مملكة المنتفق ودولة بني خالد ودولة عمان. وكانت أول هذه الدول والتي تمثل خطرا عليه وتقف حجر عثرة في طريقه هي مملكة المنتفق لذلك أصبحت هدفا رئيسيا للفرس منذ تلك اللحظة.

6- مملكة المنتفق تقف وحدها أمام الجيوش الفارسيه وتبيدها بمعركتين ثم تحرر البصرة:

بعد تسليم البصرة للفرس من قبل واليها العثماني سليمان باشا ، وجدت مملكة المنتفق (وحكامها في تلك الفترة الأمير ثامر بن سعدون والأمير ثويني بن عبدالله – أخو ثامر من أمه وولد عمه) أنها تقف وحدها أمام القوات الفارسية ، وقد كان الفرس يدركون الخطورة التي تشكلها عليهم مملكة المنتفق خصوصا وأن الفرس لم يكونوا يسيطرون سوى على مدينة البصرة ذاتها والتي كان سكانها يتطلعون لمساعدة مملكة المنتفق وحكامها وقبائلها لهم ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، ص: 181 ((( ظلت مناطق المنتفق وديارها من أكثر المناطق التي تشكل خطرا على الجيش الفارسي ذلك لأن المنتفق ، الذين كانوا يسيطرون على هذه المنطقة المليئة بالأهوار والمستنقعات ، لم يدخلوا في معارك مباشرة مع الفرس حتى الآن ، وهم في الوقت نفسه يعدون عنصر الامداد الأساسي للمدينة المحتلة. والأهم من ذلك ، يبدو أن أهل البصرة ، وبعد أن أصبحت مدينتهم تحت الاحتلال ،أخذوا يتطلعون الى قوة قبائل المنتفق لانقاذهم، لأن الحاكم الفارسي لم يكن بحوزته سوى المدينة نفسها وعدة من البساتين المجاورة. وكان رجال المنتفق في هذه الأثناء بالمرصاد لأي ضعف أو وهن يبديه الفرس من أجل التعرض لهم))).

أدركت الدولة الفارسية صعوبة موقف مملكة المنتفق وإستحالت تلقيها لأي دعم في مواجهة الفرس ، لذلك قرر الفرس فرض شروطهم ووجهوا لحكام مملكة المنتفق طلبا بالخضوع وقد تم رفض هذا الطلب، مماأدى الى أن يقوم الفرس بتجهيز حملة من عشرة آلاف مقاتل ومزوده بالمدافع ويقودها صادق خان الزندي (أخو حاكم الدولة الفارسية) ، واجهت قوات مملكة المنتفق هذا الجيش في منطقة الفضلية واستطاعت أن تبيده بشكل شبه كامل في معركة عرفت بمعركة الفضلية ، ولم ينجو من الجيش الفارسي سوى قائد الجيش وبعض خاصته الذين هربوا للبصرة وهم مذعورين ومصدومين ، حيث أن المعركة كانت سريعة وقام قائد الفرس بوضع نهر الفرات خلف جنوده حتى يتجنب هجوم المنتفق عليهم من الخلف ، الا انه بعد الهزيمة اضطر الجنود الفرس للهرب الى النهر ولحق بهم فرسان المنتفق وقتلوا معظمهم على ضفته ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، عند حديثه عن الحوادث في زمن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص: 402 (((إن من أهم الحوادث في زمنه هي زحف الأعاجم (أهل فارس) نحو المنتفق بعد احتلالهم البصرة سنة (1190هـ 1775م) ... وقد طمعوا في غزو بلاد المنتفق فساق (صادق خان) جنوده نحو عشائر المنتفق فبرز لهم الشيخ ثويني بجموعه والتقى معهم في الموضع المسمى (الفضيلة) قرب ساحل الفرات الغربي. وتصادمت الأبطال في ذلك المكان وحمي وطيس القتال فلم يك إلا برهة من الزمان حتى أدبرت الأعجام مكسورة أمام ضراغمة المنتفق وخسروا أنفساً كثيرة. ومات معظم من سلم من القتل غرقاً في النهر. وذلك لأن قائد العجم استحسن بأن يجعل نهر الفرات خلف جنوده حفظاً لهم من حدوث طارئ يهاجمهم من الخلف لما عرفوه من خفة سرعة خيالة العرب في الالتفاف على العدو (وقطع خط الرجعة عليه) فكان ذلك الرأي هو السبب لدمار جنوده لأنه لما بدأ فيهم الفشل وأرادوا الهزيمة لم يجدوا مفراً سوى العبور في النهر إلى الجانب الآخر. فلحقتهم فرسان العرب تثخنهم ضرباً وطعناً وهم على حافة النهر. ففقدوا معظم قوتهم وذهب من نجا منهم إلى البصرة ودخلوها متقمصين ثوب الفشل والقهر))). ويذكر معركة الفضلية ، د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 182((( وهنالك دارت معركة سريعة بين الطرفين ، أسفرت عن اندحار الفرس وتكبدهم لخسائر فادحة. ويعود سبب ذلك ، كما ترويه المصادر المحلية المعاصرة، لأن الفرس قد وضعوا خلفهم نهر الفرات حتى لايهجم عليهم رجال المنتفق من الخلف، غير أنه لما حلت بهم الهزيمة لم يجدوا مفرا الا النزول في الماء لأجل العبور الى الجانب الآخر، فلحق رجال المنتفق بخيولهم وأوقعوا فيهم الضرب والطعن حتى أجهزوا على معظمهم))). ويذكر دخول صادق خان الزندي للبصرة بعد الهزيمة وهروبه وتركه لجنوده خلفه يواجهون القتل ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 87 ((( وولى جيش ذلك العلج الادبار وركب من الهزيمة الظهر والقفار، وخلع من بغيه برده، ونجا بنفسه ناسيا جنده، وذلك في موضع يسمى الفضلية قريبا من الفرات على الناحية الغربية، فرد الله كبد ذلك الرافضي في نحره، وجازاه عما فعله في اهل البصرة بكسره، ورجع من معه الى البصرة، والله قد اذاقه ذله وقهره، حتى كاد يموت غما لكون عسكره، اما قتلى واما كلمى))).

لقد كان وقع الخسارة على حاكم الدولة الفارسية كريم خان الزندي شديدا ، وقد توعد باستئصال المنتفق عن بكرة أبيهم ، وقام بإرسال قوات الى أخيه في البصرة وأمر بتجهيز حملة أكبر وأن تكون الحرب حرب استئصال ، وأمر بأن يكون أخوه محمد علي خان الزندي على رأس الحملة وأن يرافقه اثنين من أخوانه ولم يكن يعرف أنه كان يرسل أخوانه لحتفهم بل كان يرسل جيشا كاملا من خمسة عشر ألف مقاتل لحتفه ، يذكر ابن الغملاس ، في كتابه البصرة .. ولاتها ومتسلموها من تأسيسها حتى نهاية الحكم العثماني , ص 78 ((( فلما وصل الخبر الى شيراز غضب كريم خان الزندي فجمع عسكرا ضخما مدهشا وأرسلهم في قيادة محمد علي خان الزندي ليستأصلوا المنتفق عن أخرهم , ولما أخبر رؤساء المنتفق بذلك تهيأوا لهم واستعدوا للموت))). وفيما كانت القوات الفارسية تستعد لحملة ثانية ضد مملكة المنتفق وحكامها ، قام الفرس بالإعتداء على سكان مدينة البصرة الذين أبتهجوا لإنتصار المنتفق ، ثم أراد الفرس الانتقام من حكام مملكة المنتفق ، لذلك قاموا بتحرك عسكري مفاجىء تجاه بلدتين تابعتين لمملكة المنتفق وهما بلدة الزبير وكويبدة (التي كانت عاصمة قديمة للمنتفق أحرقها والي البصرة أفراسياب قبل قرن ونصف من الزمان تقريبا) ، حيث تحرك القائد الفارسي في البصرة بشكل مفاجيء في أحد الليالي وفي وقت متأخر من المساء وقام بإرتكاب مذبحة في الزبير وقتل 700 من سكانها وأحرقها ثم اتجه شمالا الى كويبدة وقتل سكانها وأحرقها وعاد للبصرة ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 182((( لقد أدى انتصار عرب المنتفق الخاطف الى زيادة ضغط الفرس على سكان مدينة البصرة حيث أرادوا الانتقام منهم مقابل خسارتهم. وعلى ذلك قاموا بهجوم مفاجئ على مدينة الزبير، التي كان عدد سكانها آنذاك يبلغ 700 نسمة، فأحرقوا بيوتها وذبحوا عددا كبيرا من أهلها، ثم واصلوا سيرهم نحو قرية كويبدة – على بعد عدة أميال من الزبير على طريق القوافل الى حلب – ففعلوا بها الشيء نفسه ، وقد لاحظ كابر آثار التدمير الوحشية التي قام بها الفرس في هاتين المدينتين عند مروره بهما عام 1778. لقد بقي علي محمد خان يصول ويجول في البصرة، ويذيق أهلها أنواع العذاب والظلم والاستبداد، وبعدها وجه قواته نحو قبائل المنتفق، لأخذ الثأر منها))). و يذكر ج.ج. لوريمر في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج4 , ص: 1874 ((( وكان الحاكم الأيراني ، أو نائب الحاكم ، رجلا فظا قاسيا، حاول في البداية أن يتظاهر بالأعتدال والأنصاف ، لكنه سرعان ما أفسح المجال أمام عواطفه وغرائزه كي تمارس نشاطها ، فلم يصبح أحد من هذه المدينة في مأمن على حياته أو ماله. ولم تكن اعتداءاته ونزواته هذه قاصرة على الأفراد فقط . ففي احدى الليالي وتحت جنح الظلام قام بهجوم مفاجيء من البصرة على الزبير فأحرق بيوتها وذبح عددا كبيرا من أهلها ، ثم واصل السير الى قرى الكويبدة ، التي تبعد عدة أميال عن الزبير على طريق القوافل الى حلب ، ففعل بها الشيء نفسه ، ثم عاد أدراجه الى البصرة))). وعندها كان صادق خان قد رجع الى البصرة برفقته التجهيزات ومتوعدا بالثأر من حكام مملكة المنتفق (الأمير ثامر والأمير ثويني) ومن قبائلهم ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 88 ((( ثم ان العجمي عزم على غزوهم اخرى قائلا: اخذ الثار بالملوك مثلنا احرى فجمع جنودا تزيد على جنوده الاولى اضعافا، ورجع صادق خان الى البصرة شاهرا صوارم واسيافا، ومادرى انه كالحافر عن حتفه بظلفه، وان الزمان دائر على الباغي بصرفه، فلما تكاملت اجناده، وتخايلت بطرا امداده ، قائلين: سيعلم ثويني وثامر من عليه تدور ان لاقيناهما الدوائر ، فخرجوا من البصرة بزحوف وجنود في اسيافهم يلمع الحتوف ، والمقدم عليهم محمد علي خان وهو في قومه من البسالة في مكان))).



ولد الأشراف غير متواجد حالياً