عرض مشاركة واحدة
قديم 18-10-2009, 01:51 AM   #2
عضو لامـــــي مميز
 

الصورة الرمزية صقر بن عدوان
 

تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 833
آخـر مواضيعي
 

افتراضي رد: مسله تيماء تثير صراعا فرنسيا المانيا منذ 135 عاما

يبلغ الأمير محمد بن عبد الله الرشيد من العمر الثامنة والأربعين تقريباً، وهو مثل كل أمراء عائلته ذو بشرة بيضاء نسبيا، وذقن سوداء تماما «ربما تكون مصبوغة»، وتعبيرات وجه تنم عن عزيمة واصرار، وعيناه في حركة دائمة، أما مظهره الخارجي فيتسم بالبساطة، حيث كان يرتدي ثوبا أبيض وفوقه مشلح أسود مطرز، وعلى رأسه شماغ وعقال مطرز بلون الذهب، وتحتها تتدلى ضفيرتان سوداوان جدلتا بشكل رائع، ويلبس في قدميه صندلا جلديا بدون جوارب. أما الشيء الوحيد الذي يزهو به فهو سلاحه، السيف المعلق جانبه على الجدار الذي ربما تبلغ قيمة الذهب الموشّى به نصله ومقبضه حوالي ألفين الى ثلاثة آلاف مارك. وقد كانت عقلانيته تفوق ليس فقط أتباعه ولكن أيضا أقاربه الى حد بعيد، وعلى الرغم من ايمانه الا انه يبدي تسامحا نحو من يخالفونه في العقيدة ممن التقى بهم كثيرا في بغداد، وهو يتحدث العربية والفارسية والتركية في درجة واحدة من الاتقان، كما انه على علم دقيق بقدامى الشعراء العرب، بالاضافة الى معرفته بجميع أشعار الفكاهة البدوية، قديمها وحديثها».
وأسهب المؤلف في وصف رحلته الى بقعاء وعقدة، وجلدية ورسم صوراً لسد عقدة وقمة الفرع وهو أعلى قمة في جبل أجا كما رسم النقوش والرسوم الصخرية على جبال الجلدية، كما رسم بلدة بقعاء التي تبعد 95 كيلومترا الى الشمال الشرقي من مدينة حائل، كما سجل رحلته من حائل الى تيماء ووصف الأخيرة بأنها واحة تقع على حوض مائي منخفض يتجه من الجنوب الى الشمال، كما عدد الاطلال الاثرية القديمة فيها، وقدر عدد سكانها خلال رحلته اليها في الخامس عشر من شهر فبراير (شباط) عام 1884 بنحو ألف نسمة، ولفت الى ان المدينة شهدت حتى وقت قريب صراعاً بين سكانها بين أحيائها الثلاثة، لكن تلك الصراعات أمكن القضاء عليها بعد ان التزم سكانها في تلك الفترة بدفع الضرائب لابن رشيد عن طريق عامله عبد العزيز العنقري الذي حمل الرحالة اليه رسالة من الامير يأمره فيها بأن يمدهم بالمواد الغذائية وغير ذلك مما قد يكونوا في حاجة اليه.
قصر الدائر
* وزار المؤلف المدينة القديمة في تيماء كما ذهب الى منزل يسمى طليحان وهناك وجد أغلى غنيمة حصل عليها من رحلته تلك وحول ذلك يقول الرحال الألماني:
ذهبنا الى منزل فهد الطلق الذي ضيفنا بالتمر والخبز واللبن، وقد كان من بين المدعوين صانع أسلحة ماهر يدعى زيدان، وقد ضممته الي لمعرفته التامة بالأماكن وموافقته على تلبية طلباتي ليرافقني خلال زياراتي في المدينة، وحينما فرغنا من الأكل ذهبنا معا الى غرب المدينة، حيث التل الذي يبلغ ارتفاعه حوالي المترين عن مستوى سطح البحر، وتقع تحته حسب معلوماته تيماء القديمة، وفي الحقيقة بعد قيامي بعملية بحث سطحية في الأرض الرملية وجدت بعض قطع من الزجاج، وشظايا من البرونز مغطاة بطبقة خضراء سميكة، بالاضافة الى قطع من أرض اسمنتية وعدد من أحجار العقيق، كما رأيت قناة تتجه نحو الشمال مغطاة بالجير، ويبدو انها كانت مخصصة لنقل الماء الى المستنقع الملحي «السبخة»، والى الجنوب وصلنا الى قصر الدائر، وهو بناء كبير مربع الشكل فيه أبراج على الزوايا وبقايا بشر مردومة، ومن هناك ذهبنا الى منزل يقع على مسيرة خمس دقائق الى الجنوب يسمى طليحان، وجدت فيه أغلى غنيمة حصلت عليها من رحلتي في الجزيرة العربية، فالى اليمين على القائم الأيمن من الباب الداخلي الثاني كان هناك حجر مقلوب نحتت عليه أشكال آدمية، تمثل معبوداً أو ملكاً، وكاهناً، وهذا الحجر هو ما يعرف اليوم في أوساط الدارسين باسم «حجر تيما»، وحينما رأيت نقشاً مكتوباً عليه لم استطع اخفاء مشاعر الدهشة لدي إلا بصعوبة بالغة، وفي هدوء مفعم بالسعادة قمت بنسخه على الورق، ثم اعطيت صاحب المنزل بكل سرور بعض النقود. وبعد أن قلت لزيدان بأن يحضره الي في صباح الغد الباكر، ذهبت مسرعاً وأنا متعب ومضطرب الى البيت لكي أحدث هوبر عن الاكتشاف الجديد. وأهمية النقش المكتوب عليه، تكمن في انه يعود بالتأكيد الى القرن السادس قبل الميلاد، أما الحجر نفسه فسيقتلع من مكانه يحضر الى منزلنا في يوم الغد، وفي المساء تمت دعوتنا لدى ثويني، وبعد ذلك شربنا القهوة عند عبد العزيز بن رمان، وقد كنت أفضل مائة مرة لو أنني بقيت في المنزل لدراسة الورقة التي نسخت عليها النقش.
ويشار إلى أن حجر تيماء المعروف بين أوساط الدارسين باسم «مسلة تيماء» عثر عليه في قصر طليحان وقد كتبت المسلة، المحفوظة الآن في متحف اللوفر بباريس تحت رقم «Ao 1505» والتي يعود تاريخها إلى القرن السادس قبل الميلاد، بالقلم الآرامي. ويتكون النص المكتوب عليها من ثلاثة وعشرين سطراً تتحدث عن أمرين رئيسين : الأول هو تنصيب أحد الكهنة في معبد الإله الوثني صلم في تيماء. والثاني ينص على التزام المعابد الأخرى بتقديم محصول إحدى وعشرين نخلة ضريبة لمعبد الإله صلم في تيماء. وقد أدى تفكيري في ذلك الحجر الى اصابتي بالقلق وعدم القدرة على النوم الى القدر الذي جعلني أنهض عند الفجر لأنظر من جديد على ضوء الشموع الى الورقة التي نسخت عليها النقش، وعند طلوع الفجر بدأت باخراج القمل من ملابسي، ثم ذهبت مع صانع السلاح زيدان في جولة خلال المدينة زرنا فيها أولا منزل الخطيب محمد العتيق الذي كان على أحد جدران مسكنه الداخلية حجر عليه نقش كتب بالخط الآرامي. ثم سرنا عبر مقبرة تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من المدينة الحالية. وترتفع فيها بعض الأعمدة الدائرية المتداعية «فهل هي بقايا أعمدة المعابر؟» وعلى مقربة من هذه المقبرة شاهدة بعض الخبث الناتج عن فرن لصهر المعادن، وبعض الأواني الفخارية المزججة، وفضلات ضبعة، وجثة حيوان ميت، حينما وصلنا منزل زيدان منحني هدية كانت عبارة عن بلطة حجرية سوداء يستخدمونها في قياس نسب الذهب والفضة، وقد رأيت عنده جرة قديمة من الفخار، لم يكن عليها أي ملامح فنية.
وجدت حين عودتي من الجولة سبعة رجال يقفون في فناء منزلنا، وقد أحضروا الحجر «مسلة تيماء» من قصر طليحان، فقمت باعطاء كل حمال منهم ربع مجيدي، وأعطيت المالك 1.5 مجيدي (حوالي 5 ماركات)، وبعد وضع الحجر وذهاب الرجال أصبح في وسعي فحص الحجر عن قرب، وحينما رآه هوبر تذكر أنه شاهده بالفعل خلال زيارته الأولى (عام 1880) ولكنه لم يظن أنه ذو أهمية.
نظراً لكوني قد اتفقت مع هوبر حينما كنا في ستراسبورغ (مدينة فرنسية على الحدود مع ألمانيا)، قبل بدأ رحلتنا المشتركة الى الجزيرة العربية أن يكون من نصيبي كل ما نعثر عليه من آثار قديمة يمكن حملها. بحيث تختار دولتي ـ التي كانت في تلك الفترة تفتقد الى تملك مثل هذه الآثار خاصة من النقوش المكتوبة على الحجر ـ ما تشاء، بينما يكون له كل ما نحصل عليه من غنائم أخرى، لذلك فقد كان من المنطقي حسب الاتفاق ان تعود ملكية حجر طليحان «مسلة تيماء» اليّ. لا شك ان عملية نقل هذا الحجر الذي لن يقل وزنه عن 150 كجم ستكون بالغة الصعوبة كما ستحتاج الى احتياطات خاصة لتوزيع الثقل وتدعيمه فوق شداد الجمل، وخلال هذا اليوم تم احضار عدد آخر من الأحجار عليها نقوش كتبت بالخط الآرامي الى مسكننا، ولعل من الأفضل بالنسبة لنا نقل مجموعة من هذه الأحجار المنقوشة عبر منطقة آمنة الى حائل، بدلاً من نقلها معنا خلال رحلتنا في منطقة الحجاز.
دعيت خلال فترة بعد الظهر لزيارة مجموعة من المنازل التي قيل لي: ان فيها مجموعة أخرى من النقوش المكتوبة على الأحجار، وحيث انني لم أجد هناك أي اثر لذلك فقد تحملت النتيجة السلبية بارادة قوية، بل انني حاولت اخفاء ملامح الاحباط والاستياء على محياي أو الدخول في منازعات مع أولئك الناس. فليس لهم علم بمعاني حروف تلك النقوش، وفي مثل هذه الأحوال يجب على المرء تحمل التعب والأخطار حتى يتمكن من رؤية ما لديهم».
نظافة وقهوة وبخور
* وفي صباح يوم 19 فبراير 1884 دعانا محمود العلاوي الى الطعام، وهو أحد رفاق هوبر في رحلته الأولى الى جزيرة العرب. أما بيته فقد كان نظيفا ومفروشا بالزلالي «جمع زلية»، وأطفاله الواقفون للخدمة حولنا اعتادوا على النظافة والدقة. فعلى سبيل المثال قام أحد الاطفال بتغطية النجر «الهاون» بعد طحن حبوب القهوة فيه بقطعة من القماش، كما تم غسل أقداح القهوة أمام أعيننا رغم انها كانت نظيفة، ثم جففت ووضعت فوق صحن نحاسي دائري الشكل، وفي الوسط وضعت مجمرة «مبخرة» ألقي فيها البخور، حيث يتم تبخير فنجان القهوة «لم تجر العادة على تبخير فناجين القهوة وإنما يبخر الحاضرون»، ثم يقدم لنا بعد ملئه، ولا غرو في ذلك، فجزيرة العرب تعد منذ القدم الموطن الأصلي للنباتات ذات الروائح الزكية.
نظرا لكوننا لم نتلق دعوات أخرى هذا اليوم كان لدي الوقت للعناية بجسمي، حيث استحممت وحلقت شعر رأسي تماما، كما طلب مني هوبر اليوم أن أرسم له في مذكراته مختلف النقوش التي وجدناها هنا.
لقد حاولت كثيرا سواء عن طريق الوعود أو التهديد الحصول على عمود حجري أخرج قبل بضع سنوات من بئر هداج. أو على الأقل نسخ النقش المكتوب عليه، ولكن مالكه المدعو سلامة ابن عائد خرج فجأة الى الصحراء لجلب العلف، فحال ذلك دون حصولي على ذلك النقش.
دعانا في المساء مضيفنا عبد العزيز العنقري للعشاء عنده، وقبل أن نذهب لتلبية دعوته نبهنا الخادم محمود الى ان الطعام سيكون حارا جدا، حتى لا نأكل منه كثيرا، وبالفعل كان به الكثير من الفلفل، ولكن لحسن الحظ كان هناك لحم بجانب الأرز، وذلك ما لم أكن أتوقعه، وبعد العشاء مباشرة أخرجت من جيبي عن طريق الصدفة حلقة مطاطية، وعلى الفور سألوني عما اذا كانت مصنوعة من جلد الخنزير».
طائر النورس يجلب الأمان
* ومن تيماء الى تبوك وبالعكس يسرد الرحالة يومياته ومشاهداته والقلاع والشجيرات والنباتات التي تنمو في صحراء المنطقة، واعطى وصفاً لمدن الحجر والعلا وما تضمهما من آثار وقلاع، ورسم مخططاً لكل مدينة، كما زار مدائن صالح ونسخ نقوشاً مختلفة ثم توجه الى ميناء الوجه الذي كان تابعاً للسيادة المصرية، ليضم الملك عبد العزيز المدينة الى حكمه عام 1344هـ. وعن وصوله الى الوجه يقول يوليوس أويتنج في يوم السبت الخامس من ابريل 1884:
«تم قبل ساعة من شروق الشمس إعداد القافلة للتحرك، وبينما كنا نشرب الشاي على وجه من السرعة شاهدت هناك طيور النورس، ما جعل سعادتي تفوق الوصف، فهذه الطيور الحبيبة تحمل معها بشائر السعد، فلها مني الشكر الجزيل على جلبها تحية البحر لي، لم نحط الرحال لتناول طعام الإفطار إلا بعد ان قطعنا مسافة طويلة، والآن انتهى الاكتفاء فقط بالوجبة المعهودة «خبز، تمر، شاي»، إذ يجب علي وبكل ثقة إخراج ما لذ وطاب مما ادخرته ليوم الضيق، الآن الى التمتع بشرب الشوكولادة وأكل البسكويت.
وصلنا حوالي الظهر الى شعيب ضيق يسمى الذريب تزودنا من منابعه بالماء وأسقينا منه الجمال، ثم انصرفنا على عجل، وحينما خرجنا من ذلك الشعيب لاحت أمامنا قلعة الوجه الواقعة على درب الحج المصري، وما هو إلا وقت قصير حتى وصلنا اليها، وبعد ساعتين كانتا تمران ثقيلتين كدهر كامل وصلنا الى ميناء الوجه التابع للسيادة المصرية، يا له من شعور، لقد رأيت البحر مرة أخرى، حقاً ان نعمة الماء التي وهبها الله لنا لا يقدرها سوى من عايش القحط والعطش في الصحراء ومن لم ير طوال أشهر عديدة نهرا أو واديا أو عينا جارية. حقاً ان المشاعر لتغمرها السعادة والبهجة. لقد أدى اقترابنا من ميناء الوجه الى انتفاخ صدري المتصحر، فهنا أشاهد أمامي البحر، وبعض الأعمدة وشخصاً راكباً حصانه، ورأيت أيضاً الطربوش والمعطف المصري والثياب النظيفة: يا الهي ما هذه المفارقات؟! وفي هذه اللحظة أصبحت النقوش في مأمن، ولم يعد هناك من الناس من أخشاه، حقاً إن سعادتي لا توصف.

منقووول
صقر بن عدوان غير متواجد حالياً