عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-2012, 10:33 PM   #6
عضــو لامـــــي
 

الصورة الرمزية ولد الأشراف
 

تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 25
آخـر مواضيعي
 

افتراضي



سجل لمشاهدة الروابط

لقد كان تأثير قتل سكان بلدة الزبير وبلدة كويبدة كبيرا على حكام مملكة المنتفق ، لذلك قرروا تلقين الفرس درسا قاسيا وأخذوا بتجهيز خطة عسكرية للأيقاع بالجيش الفارسي الذي كان على وشك التحرك تجاههم ، وكانت الخطة أن يقوم الأمير ثامر بن سعدون بقيادة ألفين من الفرسان والظهور أمام أسوار البصرة ثم الإنسحاب شمالا وذلك لسحب الفرس الى كمين كان معد مسبقا ، حيث ينتظرهم أكثر من 15 ألف مقاتل من المنتفق بقيادة الأمير ثويني بن عبدالله في أرض محاطه بالماء من ثلاث جهات والجهة الرابعة مفتوحه لدخولهم .. بالإضافة الى أن أرض المعركة تم رشها بالماء مسبقا حتى تعيق تحرك المدافع الفارسية، وفعلا نحجت الخطة وتحرك الجيش الفارسي (قوامه 15 ألف مقاتل) متتبعا للقوات التي يقودها الأمير ثامر بن سعدون وذلك لإعتقاد الفرس أن قوات الأمير ثامر كانت عائده لمعسكرها وبالتالي أرادوا مباغتتها ، وما ان دخل الفرس الكمين حتى اغلق فرسان المنتفق بقيادة الأمير ثامر بن سعدون المدخل وهجموا عليهم منه ومن الجهات الأخرى هجمت عليهم قوات الأمير ثويني بن عبدالله (كلها من المشاة) ، فتم ابادة الجيش الفارسي بالكامل بما في ذلك أخوان حاكم الدولة الفارسية أبناء الأسرة الزندية في معركة عرفت بمعركة أبي حلانة ، يذكر ج.ج. لوريمر في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي ، متحدثا عن خطة المنتفق العسكرية في معركة أبي حلانة مع الدولة الفارسية , ج4 , ص: 1874 ((( وبعدها نجح الشيخ ثامر شيخ المنتفق في استدراج قوة ايرانية كبيرة من البصرة الى مساحة من الأرض , يحدها مجرى الماء من الشمال , وشط العرب من الشرق وخليج من الجنوب وهي تبعد حوالي 17 ميلا عن المدينة , وهناك كان عدد ضخم من عرب المنتفق بانتظار وصول القوة الايرانية , حيث أعملوا فيها القتل حتى أبادوها عن أخرها , وكان من بين القتلى علي محمد خان نفسه ومن هذه الحوادث نستطيع أن نفهم أن الأيرانيين لم تكن لهم أي سيطرة خارج أسوار مدينة البصرة ))). ويقدر الرحالة الإنجليزي كابر المعاصر للأحداث والذي زار البصرة في نهاية عام 1778م عدد قوات الحملة الفارسية بـ 15 ألف مقاتل، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ( Capper, op.cit, P.84)، ص: 183 ((( ويقدر كابر القوة الفارسية ضد قبائل المنتفق بحوالي (15 ) ألف رجل))).

لقد كانت الغنائم التي غنمتها قوات مملكة المنتفق كبيرة جدا ، ووفدت الشعراء على حكام مملكة المنتفق الأمير ثامر والأمير ثويني فأعطوهم الجواهر في مقابل قصائدهم ، وفرح سكان بغداد والبصرة بهذا النصر وبقتل أخوان حاكم الدولة الفارسية (أبناء الأسرة الزندية) وبزوال خطر الإحتلال الفارسي الذي كان يعيش أخر أيامه على يد أبطال قبائل المنتفق وحكامها، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 93 ((( وتقاسمت بالكيل الدراهم، واوتدوا البيوت بالصوارم، ووفدت الشعراء على ثويني وثامر، فأجيزوا عن القصائد بالجواهر، واستبشر أهل بغداد والبصرة، بعظيم هذه الدولة والنصرة، وقتل محمد علي خان وسر بقتله أهل الايمان، وممن حضر ذلك اليوم وشكر مشهده من اولئك القوم حمود بن ثامر وهو شب فاوقد الوطيس بصارمه وشب، ومحمد بن عبدالعزيز ابن مغامس، فكر كرة الأسد الدماحس وشبان وشيب من المنتفق والشبيب))).

ونذكر هنا أبيات من قصيدة المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند البصري (المعاصر للأحداث) والتي قالها على لسان حكام مملكة المنتفق الأمير ثامر بن سعدون و الأمير ثويني بن عبدالله بعد هزيمتهم للفرس ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص:90 :

إذا لم ترض إلا السيف منّا
فإنّا المانعون لما حمينا
حماة الجار كم باغٍ لوينا
وكم ضمٍّ بمرهفةٍ أبينا
أترضى أن يغشمرنا معادٍ
ويسقينا ببيض الهند حينا
وفينا العزّ نجنيه ببيضً
وسمرٍ ينحنين وكم حنينا
وغمرة معمعٍ خضنا بخيلٍ
رياحٌ لا تسابق إن جرينا
وكم من كيخمٍ أردت ظبانا
وعزٍّ بالصوارم قد بنينا
سقينا من نحاربه بسجلٍ
إلى أن عاد منقاداً إلينا
وما إن فاتنا ملكٌ بثأرٍ
وما عن سعي مأثرةٍ ونينا
وما إن سامنا الأمراء خسفاً
فإن راموا بنا خسفاً عصينا
أسرّة عزّنا صهوات كمتٍ
تطير بنا متى نحن اشتهينا
تطير بنا إلى أبطال حربٍ
كعقبانٍ على صيدٍ هوينا
فيا علج الأعاجم إنّ بيضاً
نضوناها بقتلك قد وأينا
ورثناهنّ عن آباء صدقٍ
نضوها قبل ما نحن انتضينا
وأوصونا ونوصي وارثينا
بتلك البيض ما حرباً جنينا
ستندم إن تكن لقيتك منّا
فوارس لا يرون القتل شينا
(شبيبيّون) أنجبهم نزارٌ
يرون عليهم الغارات دينا
سنقريك السيوف قرىً جميلاً
ونسقيك الحتوف إذا التقينا

حتى قال:

ولا عذرٌ لنا عن قتل قومٍ
سباب الصحب جرّهمو إلينا
إذا لم نقرهم بالبيض ضرباً
يذيقهم المنون فلا اهتدينا
إذا لم نحم من عجمٍ ذماراً
بسبّهم الصحاب فلا اتقينا
فصبراً يا عدوّ الله صبراً
لأسيافٍ بها العليا ارتقينا
فعنك يضيق رحب الأرض عمّا
قريبٍ، والعلوج تقول إينا



بعد خسارة الفرس الضخمة و إبادة القوات الفارسية في معركة أبي حلانة أصاب الذعر والي البصرة الفارسي لذلك ما ان وصل صادق خان الزندي الى البصرة ومعه قوات اضافية (أربع آلاف مقاتل) لدعم الوالي الفارسي فيها ، حتى أرسل رسولا للتفاوض مع حكام المنتفق في محاولة منه للبقاء في البصرة دون اصطدام مع المنتفق، الا انه تم رفض التفاوض من قبل الأمير ثامر، وحاصرت قوات كبيرة من مملكة المنتفق مدينة البصرة ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 185 ((( فعلى الرغم من التعزيزات الفارسية الجديدة التي وصلت الى البصرة بعد هذه الهزيمة والتي تقدر بأربعة آلاف رجل ، الا ان صادق خان ، حاول فور وصوله الى المدينة الاتصال بالشيخ ثامر لمفاوضته وعقد الصلح معه ، الا ان الأخير رفض العروض الفارسية رفضا قاطعا))). لذلك انهارت معنويات الفرس بشكل كبير و اضطر قادة الجيش الفارسي الى التفاوض حول خروج الفرس من البصرة فقط ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، وصف الفرس بعد خسارة 15 ألف مقاتل في معركة أبي حلانة ورفض التفاوض مع الجانب الفارسي من قبل مملكة المنتفق، ص: 186 ((( حيث انهارت قواهم العسكرية والمعنوية معا ، ولم يعد لهم خيار غير مغادرة المدينة ، وهذا ماقاموا به حالما ترامت الى مسامعهم وفاة كريم خان الزند عام 1779م. وهكذا تنتهي هذه الصفحة من تاريخ البصرة ، بعد أن شهدت من الأحداث الجسام مالم تشهده من قبل))). وقد تم الإتفاق بين الطرفين بإخلاء سبيل أعيان البصرة الأسرى لدى الفرس مقابل تأمين انسحاب الفرس من المدينة ، وعلى أن تسلم البصرة لحكام مملكة المنتفق ، وقد تم تبادل بعض الأعيان بين الطرفين حتى لايقوم أي طرف بمهاجمة الطرف الأخر أثناء عملية الإنسحاب على أن يطلق كل طرف ماعنده من الأعيان بعد اتمام عملية الانسحاب. وقد كانت معركة أبي حلانة سببا رئيسيا في ايقاف الفرس عن التوغل في العراق ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 322 (((وكانت وقعة أبي حلانة هي السبب في تقصير همة العجم عن التوغل في العراق. بل أنها الجأتهم الى الانسحاب من البصرة))).

يلخص المعركتين المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة, ج : 1 , ص: 209 ((( وكانت الشخصية العربية الأخرى التي يشار لها بالبنان في العراق حينذاك ثويني العبدالله شيخ مشايخ المنتفك , من آل شبيب , الذي أبلى بلاء حسنا , بالاشتراك مع ابن عمه ثامر المحمد المانع , في قتال الفرس حينما جردوا على عشائر المنتفك من البصرة ( وكانوا قد احتلوها في عهد كريم خان زند) حملات قوية استطاع المنتفكيون تدميرها عن بكرة أبيها في موقعتي الفضلية وأبي حلانة))). ويلخص تفاصيل الاحتلال والمعركتين ونتيجتهما المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، وذلك في كتابه البدو , ج 3 , ص: 599 (((صحيح أن المنتفق كانوا قد فوتوا فرصة منع الفرس من عبور شط العرب , لكنهم شاركوا بشجاعة في الدفاع عن المدينة التي قاومت الحصار سنة ونصف السنة والتي كان المنتفق وبني خالد يزودونها بالمؤن . بعد سقوط البصرة تابع المنتفق الحرب . ونصبوا كمينا للفرس المتقدمين على الفرات عند الفضلية , قرب عرقة , وهزموا عند أبو حلانه جيشا ثانيا يقوده أخو كريم خان.ولذلك حصل المنتفق , بعد انسحاب الفرس عام 1779م ,على السلطة في البصرة))).

وهكذا استطاع هذان الحاكمان (ثويني وثامر) العبور بدولتهم (مملكة المنتفق) الى بر الآمان في واحدة من أخطر الأحداث التي هددت وجودها تهديدا فعليا .. واستطاعا أيضا حماية شرق وشمال الجزيرة العربية من هذا الخطر الفارسي وخصوصا دول الساحل العربية (دولة بني خالد ودولة عمان). ولقد كانت خسائر معركة أبي حلانة هي أكبر خسارة في عدد القتلى يتلقاه الفرس في القرون المتأخره من عرب العراق دون تدخل عثماني سواء كان هذا التدخل عسكريا او ماديا أو حتى معنويا (بل أن موقف العثمانيين من التحرك العسكري الفارسي وإحتلال البصرة أثر بشكل سلبي معنويا على العرب في العراق وخارجه) ، ويليها في حجم الخسائر إبادة القوات الفارسية في معركة الفضلية السابقة لها ، وهي صفحة مشرقة استطاعت مملكة المنتفق (بحكامها آل سعدون الأشراف وقبائلها وعشائرها وحواضرها وبواديها) أن ترسمها كحدث فريد في تاريخ العراق وكدرس قاسي جدا في تاريخ الفرس الذين فقدوا 24 ألف مقاتل وأخوان حاكمهم من الأسرة الزندية.


7- البصرة تعود لحكام مملكة المنتفق:

بعد تحرير البصرة أصبحت المدينة بيد آل سعدون الأشراف حكام مملكة المنتفق ، وقد رفض الأمير ثامر عودة سليمان الكبير (والي البصرة - قبل احتلالها من الفرس) الى البصرة ، وقد كان سليمان يراسل الدولة العثمانية طالبا منهم أن يكون واليا لمدينة البصرة مرة أخرى ، الا أن العثمانيين كانوا غير قادرين على تغيير واقع الحال في المدينة التي كانت تحت سيطرة مملكة المنتفق ، وفي نفس الفترة اندلع خلاف بين مملكة المنتفق وبين قبائل الخزاعل يرى بعض المؤرخين انه بسبب فتنة من ولاة الدولة العثمانية بين الطرفين بسبب موقف حكام مملكة المنتفق من عودة المدينة للحكم العثماني ويرى البعض الأخر أنه بسبب قطع قبائل الخزاعل لحركة السفن التجارية في نهر الفرات بسبب ميل الخزاعل لطرف الدولة الفارسية .

أيا كان السبب فقد تحرك جيش يقوده الأمير ثامر بن سعدون الى شمال السماوة في عام 1779م ، واندلعت معركة كبيرة بين قوات مملكة المنتفق وقبائل الخزاعل استمرت ثلاث أيام وانتهت بانتصار قبائل الخزاعل ومقتل الأمير ثامر بسهم اصابه في رقبته ، ثم تم قطع رأسه والذي قدم كهدية لشيخ الخزاعل (الشيخ حمد الحمود) .. وقد تم أسر ابنه الأمير حمود بن ثامر وكان وقتها شابا صغيرا . وقد كان أكثر من فرح بقتل الأمير ثامر هو سليمان باشا والي البصرة السابق لكون الأمير ثامر رفض اعادته للبصرة ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ،عند حديثه عن سليمان باشا، ص: 141 ((( فلم يلبث الا قليلا حتى اناه الفرج، جاءته البشائر فاستيشر وابتهج، وذلك ان ثامرا لما منعه دخوله، وقطع من البصرة مأموله وسوله، غزا عقب المنع الخزاعل، فأصاب سهم المنية منه المقاتل))).

وبعد المعركة قدم الخزاعل للأسرى من المنتفق مائدة عشاء وضعوا عليها رأس الأمير ثامر وقد جزع الأسرى من هول المنظر الا ابنه الأمير حمود الذي أخذ رأس والده ووضعه في حجره وأكل من الطعام وطلب من بقية الأسرى الأكل ، وقد أدرك الخزاعل أن الخطر عليهم من حمود لاحقا ان هو أمتلك الحكم والقوة سوف يكون كبيرا ( وهو ماحصل فعلا ) وكادوا أن يقتلوه الا أن شيمتهم العربية الأصيلة أبت ذلك، وقد كان هذا الحدث له التأثير الأكبر على مجرى الأحداث لاحقا ، وبعد ذلك قام الخزاعل بإطلاق سراح الأسرى ، يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي، في كتابه ذكرى السعدون (الصادر عام 1929م) ، ص:38 ((( وكانت خزاعة ترهب الشيخ حمود لانها قد شاهدت منهم منظرا رهيبا في حداثة سنه وهو انه في مصادمتهم مع ابيه ثامر تلك المعركة الكبرى التي قتل بها الشيخ ثامر اسروا جماعة من صبية آل سعدون وفي جملتهم الشيخ حمود وقد بالغ الخزاعل في ارضاء حقدهم وشفاء غليلهم من آل سعدون فقدموا لهم عشاء وهو شيء كثير من الارز المطبوخ وعليه رأس الشيخ ثامر وقد لوث بدمائه الرز فكزت نفوس الأسرى من تلك المعاملة الجافية وجزعوا من هول المنظر الا حمود وهو ولد القتيل الشيخ ثامر فانه تقدم الى الطعام برباطة جأش وتعمد فجعل ينحي الرأس ويأكل من الطعام الملوث بالدم فهال الخزاعل امر تلك النفس القوية وتخوفوا من مغبة امر حمود اذا رجع لقومه وناجز الخزاعل باخذ الثار وارادوا قتله فورا وتخلصا من شره في المستقبل ولكن استعصت عاداتهم وابت عليهم تقاليدهم ان يقتل الاسير))). يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، ص: 133 (((والغريب في هذه المعاملة السيئة للأمير القتيل وللأسرى، أنها جاءت بوجود " حمد الحمود " الشخصية الرزينة والشجاعة، والذي لم يجد من يأويه هو وأبيه بعد تدمير الوالي - عمر باشا - لمدينتهم " لملوم " عام 1769م، وطلبه اياهم في كل مكان ، الا أهل المنتفق بعد أن هربا اليهم ، طالبين منهم الحماية والعون ، وقد حصلا عليها ، وجرى أكرامهما وحمايتهما ))) .

بعد مقتل الأمير ثامر المفاجىء وهزيمة قوات المنتفق رأى الأمير ثويني بن عبدالله أنه يجب عليه أن لا يفتح ثلاث جبهات ويواجه ثلاث أطراف في نفس الوقت (قبائل الخزاعل والدولة الفارسية والدولة العثمانية ) وأنه من الحكمه دعم سليمان باشا وكسبه الى جانبه سياسيا ، وذلك لمابينها من صداقه نشأت عندما اشتركا في الدفاع عن البصرة أثناء حصارها من الفرس لمدة سنة ونصف ، لذلك قام بإعادة مدينة البصرة لدولة العثمانية ولكن فقط من خلال تسليم حكمها لسليمان باشا كدعم من الأمير ثويني لسليمان باشا وبذلك سجل موقف سياسي يحتاج له بمثل هذه الظروف السياسيه التي تمر بها مملكته وهي محاطه بدولتين قويتين (الدولة العثمانية والدولة الفارسية) كلاهما يملكان نفس الطموح للأستيلاء على دولته. يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، وذلك عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص: 209 ((( وقد ظلت عيونه ترنو الى البصرة والاستقلال بها في كل الفرص والمناسبات . وتعرف على سليمان الكبير حينما كان متسلما في البصرة , فساعده في الدفاع عنها ضد الأيرانيين خلال مراحل الحصار كلها . وحينما استولى ثويني على البصرة بعد انسحاب الايرانيين منها . كان هو الذي سمح لسليمان الكبير بعد عودته من الأسر بالعودة الى منصبه بعد أن كان ثامر ابن عمه قد رفض اعادته من قبل . ولذلك نشأت بين الشخصيتين مودة خالصة وعلاقة حسنة ))).

8- دور الأمير ثويني في وصول سليمان باشا للحكم في بغداد:

بعد دخول سليمان آغا (سليمان باشا لاحقا) الى البصرة راسل الدولة العثمانية طالبا منها ولاية بغداد وشهرزور بالاضافة لمدينة البصرة مستندا في ذلك الى دعم صديقه الأمير ثويني بن عبدالله حاكم مملكة المنتفق (الذي سلمه المدينة ودعمه عسكريا وسياسيا) والى دعم المستر لاتوش (Latouche) المقيم البريطاني في البصرة. ونتيجة لهذا الدعم الذي يضمن له المحافظة على استقرار الأوضاع في مناطق العراق العثمانية (ولاية بغداد وشهرزور ومدينة البصرة ) فقد وافقت الدولة العثمانية على تعيينه. يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج:3 ، ص: 284 ((( وعندما عاد سليمان آغا من الأسر وجد البصرة في يد المنتفق. لكن الشيخ ثامر السعدون قتل في حرب قبلية وقام خليفته ثويني بفتح أبواب المدينة له أي لسليمان آغا. وبعد وقت قصير أصبح سليمان الكبير واليا على بغداد وشهرزور(وكانت البصرة قد سلمت له قبل ذلك).)))

وقد خرج سليمان باشا من مدينة البصرة لتسلم منصبه كوالي لبغداد ومعه صديقه حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله الذي صحبه برفقة رجاله من قبائل المنتفق ومن جنود بلدة الزبير التابعين للأمير ثويني ، وذلك للشد من ازر سليمان باشا ودعمه ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، عند حديثه عن سليمان باشا، ص: 147 ((( ازمع السفر، ليبلغ لخلافته المستقر في خميس لامع السنور، صاهل الشياظم الضمر، وقد صاحبه وساعده وشد عضده وساعده، ثويني بن عبدالله بعشائره))). وعند وصولهم الى بلدة العرجا في مملكة المنتفق وجدوا اسماعيل بيك قادما لاستقبالهم ، وعلى الفور أمر سليمان باشا رجاله بقطع رأس اسماعيل بيك لوجود أمور ينقمها عليه ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 324 (((فتوجه سليمان باشا المذكور من البصرة نحو بغداد وصحبه (ثويني بن عبدالله) مع عشائره وجملة من عسكر (بلدة الزبير) النجديين. فلما وصلوا الى (العرجاء) من أرض المنتفق لاقاهم (اسماعيل بيك كتخدا) مع عسكره ليشد عضدهم فأمر سليمان باشا بقطع رأسه لأمور ينقمها عليه قديما))). ثم بعد ذلك قام سليمان باشا بالإصلاح مابين شيخ قبائل الخزاعل (في ولاية بغداد) وحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، وذلك رغبة منه في استقرار الأوضاع في داخل ولاية بغداد ، وهو الاجراء الذي رفضه أبناء الأمير ثامر الذي قتل في معركة مع الخزاعل ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله وموافقته على المصالحة مع قبائل الخزاعل ، ص: 138 (((كان اجراء سليما يستجيب لما يطمح به في ابعاد الأجنبي عن أرض العرب ، هذا غير أنه جنب الطرفين دماء هما بحاجة اليها في المواجهات ضد الأجانب والغرباء))).

وبوصول سليمان باشا الى الحكم في بغداد عادت مدينة البصرة لنفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، حيث أصبح هو من يعيين ولاتها عليها في الفترة مابين ( 1780م – 1787م ) ، حيث يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث ) وذلك عند حديثه عن صديقه السيد محمود الرديني الهاشمي (والي البصرة المعين من قبل الأمير ثويني بن عبدالله ) ، في كتابه سبائك العسجد في اخبار نجل رزق الاسعد ، ص : 67 ((( قد نشأ في البصرة الرعنا فتسامى الى المعالي فنا ففنا ، وارتفع متون الشرف متنا فمتنا ، وانثالت اليه المحامد من هنا وهنا ، وردت اليه الرياسة فزادها حسنا ، وفتحت به السياسة عينا واذنا ، وحنت اليه السيادة حنين قيس الى لبنى ، ورمقته النجاره اذا صار لها ابنا ، جرت له في بلده احوال لايصبر لها الجبال بل لا الرجال ، فثبت لها ومااضطرب ، حتى انجلت ولله الحمد كما طلب ، وذلك عندما ولاه ثويني بن عبدالله زمام امرها واخدمه عنق عبدها وحرها ، فسار بها اعدل السير ، وبورك له فيها بالورد والصدر ... فهو لازال حاكما بالسويه ، محمودا كاسمه في الرعية ، راجعا اليه امر ذلك المقدم ماضيا حكمه في المؤخر والمقدم ، حاميا لها عن بني كعب بالعزم والحزم والعضب ))). ويظهر أن اتفاق مملكة المنتفق مع العثمانيين لعودة مدينة البصرة الى نفوذ الأمير ثويني بن عبدالله وأن يعين هو ولاتها ، يرجع لكون مملكة المنتفق هي من قامت بتحريرها من الفرس ، ويشمل هذا الاتفاق حماية المدينة بشكل رسمي من قبل مملكة المنتفق ، وذلك مقابل تقاسم النفوذ بين الدولتين في المدينة ، لذلك أقامت مملكة المنتفق معسكر حربي دائم قريب من البصرة وكان على رأس المعسكر الأمير صقر بن عبدالله (أخو الأمير ثويني) وسوف يأتي الحديث عن هذا المعسكر في فصل لاحق من هذا البحث لتعلقه بأحد الأحداث المهمه بالمنطقة عام 1784م.


9- تأسيس مدينة سوق الشيوخ للسيطرة على تجارة المنطقة:

بعد أستقرار الأوضاع للأمير ثويني بن عبدالله بزوال الخطر الفارسي عن العراق وأستقرار حكمه على نصف العراق والصحراء الممتدة على جانب الفرات من شمال السماوة و حتى حدود الأحساء ونجد الشمالية وحدود بادية الشام بالأضافة الى وصول صديقه وحليفه سليمان باشا للحكم في بغداد .. وبعد الوصول الى صيغة تفاهم بين العثمانييين وبين دولته حول مدينة البصرة . فقد بدا التجهيز لبدء عصر جديد في دولته وذلك بإنشاء عاصمة لها (بدلا من عاصمتها القديمة) وأرادها أن تكون مركزا تجاريا يتيح له ولأسرته (آل سعدون ) التحكم في تجارة المنطقة . حيث شهد عام 1780م تأسيس أهم مدينة لمملكة المنتفق على مدى تاريخها وهي مدينة سوق الشيوخ ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص: 401 (((وكان لما تولى ثويني بن عبد الله رئاسة المنتفق كما تولاها من قبله أبوه وجده وأبو جده. وجه في بادئ الأمر سطوته ونفوذه نحو الأعراب المنبثين من جنوبي بغداد إلى حدود الكويت. وكان يعد من أجود العرب في زمانه وأسخاهم. فاستتب له الأمر كما أراد))). وقد أسس الأمير ثويني بن عبدالله مدينة سوق الشيوخ لسببين رئيسيين:

1. لكي تكون عاصمة جديدة لمملكة المنتفق بدلا عن مدينة العرجاء التي فقدت أهميتها منذ مده.
2. لكي تكون مركزا تجاريا يتيح لأسرته السيطرة على تجارة القبائل في المنطقة ( داخل وخارج مناطق حكمهم).

يذكر المؤرخ والصحفي سليمان بن صالح الدخيل النجدي ، في بحثه الخاص بمدينة سوق الشيوخ ، المنشور في مجلة لغة العرب عام 1912م (قبل الحرب العالمية الأولى) ، وذلك عند حديثه عن مؤسس مدينة سوق الشيوخ (((هو الشيخ ثويني المحمد جد الأسرة السعدونية. وذلك أنه لما كان حاكما كبيرا في العراق، يمتد حكمه من الغراف والبصرة إلى ماقارب الكويت من جهة، ومن الجزيرة إلى ماحواليها من جهة أخرى أصبح نفوذا عظيما على كثير من عشائر العراق ونجد وقبائلهما. وكان معه في غزواته وفتوحاته سوق متنقلة وهي عبارة خيام تجار وباعة... ثم أن أعراب ثويني رغبوا في أن تقام سوق دائمة قريبة من الفرات في الصقع الذي ترى فيه اليوم سوق الشيوخ لطيب مائه وحسن هوائه وكثرة مرعاه فاذن بذلك))). ولكي تكون المدينة مركز تجاريا مؤثرا فقد قام الأمير ثويني بن عبدالله بسياسة مهمه لتحقيق هذا الهدف وذلك بإعطاء التجار في المدينة القروض الكبيرة دعما لهم وتشجيعا للتجار من خارجها أيضا على السكن فيها والإستفادة من هذه القروض ، يذكر المؤرخ والصحفي سليمان بن صالح الدخيل النجدي ، في بحثه الخاص بمدينة سوق الشيوخ ، المنشور في مجلة لغة العرب عام 1912م (قبل الحرب العالمية الأولى) ، وذلك عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله (((وكان الشيخ ثويني يعطي تجار الشيوخ مئات من نقود الفضة والذهب بمنزلة قرض يستفيدون من نفعها ويردونها اليه وقت الحاجة حينما يطلبها منهم أو يطلب عوضا منها))).

وقد كانت مدينة سوق الشيوخ أول مدينة أسست لهدف تجاري في المنطقة في القرون المتأخرة ، وهي توضح التطور في الفكر الإقتصادي والسياسي الذي وصل له حكام مملكة المنتفق في تلك الفترة ، بالإضافة الى توضيح امتلاكهم للقدرة السياسية والإقتصادية لإنجاح مثل تلك المدينة. وقد انشأ الأمير ثويني بن عبدالله في المدينة الأسواق والمخازن الكبيرة وجلب لها البضائع من مختلف المناطق من خارج العراق ، ونتيجة لهذه السياسية المالية بالإضافة الى الثقل السياسي والعددي الكبير لمملكة المنتفق ولتميز موقع المدينة، فقد أصبحت مركزا تجاريا كبيرا لقبائل البادية في العراق وشرق وشمال ووسط الجزيرة العربية بالأضافة الى القوافل التجارية لسكان المدن والقرى في هذه المناطق أيضا، وهو ماأدى الى ازدهار التجارة في المدينة بشكل كبير جدا لم تبلغه أي مدينة في جنوب أو وسط العراق في تلك الفترة، يذكر عبدالكريم محمد علي ، في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , ص: 28 ((( ولما كانت المدينة على حافة نجد الشرقية , فقد اصبح سوقها مركزا تجاريا وتموينيا لعرب نجد. فأزدهرت التجارة والتبادل والمقايضة في هذه المدينة ازدهارا عظيما لم تبلغه اية مدينة اخرى في جنوب العراق او وسطه , وبنيت في وسط المدينة الأسواق المسقفة الطويلة المزدحمة بمئات الدكاكين السلعية والحرفية , كما شيدت مباني الخزن والتوزيع الكبيرة الواسعة ( الخانات التجارية) في وسط الأسواق وأطرافها , التي تمتلأ بالخزين من البضائع المستوردة من اسواق البصرة , ومن الهند وتركيا والشام والخليج العربي وايران ))).



ولد الأشراف غير متواجد حالياً