عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-2012, 10:48 PM   #15
عضــو لامـــــي
 

الصورة الرمزية ولد الأشراف
 

تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 25
آخـر مواضيعي
 

افتراضي



لقد كان انتصار قوات مملكة المنتفق كبيرا جدا ، فقد شتت الجيش المقابل لها وأسرت والي بغداد ونائبه وشيخ عقيل ، بالإضافة الى قتل شيخ ربيعة وشيخ الخزاعل ومقدم القشعم ، مضافا الى ذلك هروب مشايخ القبائل الأخرى الموالين للعثمانيين وتركهم لجنودهم في ساحة القتال والذين هرب من استطاع الهرب منهم وقتل من قتل وأسر منهم من أسر وبعضهم بدل ولاؤه للنجاة من القتل ، وقد استسلمت كامل القوات العثمانية التي سلمت من القتل بعد ان سلموا كل اسلحتهم وعتادهم العسكري ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 162((( لقد كان انتصار المنتفق في هذه المعركة كبيرا ، بحيث أنها لم تمكن أحدا من غزاتها من العودة لأرضه سالما ، فبالاضافة لمن قتلوا في المعركة ، فقد غرق شيخ الخزاعل أثناء مطاردة خيالة المنتفق له في نهر "المسرهد" وقتل مقدم القشعم ، واستسلم المتبقون طالبين "الدخالة ". أما بقية الجيش فقد حماهم سعيد بك ، بعد أن جردوا من أسلحتهم ومدافعهم وكافة عددهم))). لقد كانت معركة غليوين واحدة من أعظم الإنكسارات العثمانية أمام العرب تاريخيا ان لم يكن أعظمها على الاطلاق ، حيث تم اقتياد والي بغداد ونائبه مكبلين بالسلاسل الى السجن في عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ ، وبعد سجنهم توفي الأمير برغش بن حمود ، لذلك ذهب عمه الأمير راشد بن ثامر السعدون الى السجن وقتل والي بغداد ونائبه خنقا بالحبال وذلك انتقاما لوفاة ابن أخيه ، وبعد دفنهم رجع الأمير راشد بن ثامر السعدون وأخرجهم وعلق رؤوسهم أمام الناس ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص:416 (((ولما طلب الأمان الوزير لنفسه ولمن معه وسلم نفسه. أمر حمود باعتقال عبد الله باشا الوزير المذكور ومعه طاهر بيك وشخص ثالث معهما فكبلوا في الحديد. وأرسل بهم على (سوق الشيوخ) حيث سجنوا هناك. ولما مات برغش بن حمود من تلك الطعنة التي طعنها في ميدان القتال. ذهب عمه راشد بن ثامر إلى السجن وقتل الثلاثة المذكورين (عبد الله باشا وطاهر بيك وصاحبهما) خنقاً بالحبال. وبعد أن قبروا أعاد عليهم فنبشهم وقطع رؤوسهم وشهرها ثأراً لابن أخيه برغش))). ويرى ابن بشر المعاصر للأحداث أن سعيد هو من أشار على الأمير راشد بن ثامر السعدون بإعدام والي بغداد ونائبه ، وقد غضب حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر السعدون (كان قد أصيب في العمى قبل تلك الفترة) على قتلهم بعد أن اعطاهم الآمان وسقط عن سريره عندما وصله الخبر ، الا انه لم يعقب على ذلك ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر (المعاصر للأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، حوداث سنة 1228هـ ، ص: 337 ((( وكان برغش بن حمود قد جرح في تلك الوقعة جرحا شديدا ثم مات منه ، فأسر سعيد بن سليمان المذكور لراشد أخا حمود بن ثامر أن يقتل عبدالله وكيخياه فقتلهم ، فلما بلغ حمود الخبر غضب غضبا شديدا وسقط من سريره لقطع وجهه ولم يعقب ذلك بشيء))).

وننقل هنا وصف لأكبر أبناء حاكم مملكة المنتفق وهو الأمير برغش بن حمود من قبل أحد معاصريه وهو التاجر الحلبي ميخائيل بن يوسف عبود ، هامش كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 279 ((( انه أكبر ابناء حمود ، وانه المشهور في صورته ومنظره العجيب وفروسيته))). وهذه قصيدة الأمير الشريف علي بن ثامر السعدون في رثاء أخيه الأمير الشريف عبدالمحسن بن ثامر السعدون, وذكر انتصارهم في معركة (غليوين) على والي بغداد عبدالله باشا سنة 1813م ، مصدر القصيدة (القاموس العشائري العراقي) ، للشيخ أحمد العامري الناصري، الجزء الأول ، ص:145 :


الورق يلعي فوق عالي قصورها
حمايمٍ، ويطربن الغنا من فجورها
تغنّت بصافي النوح عندي, وانا الذي
من البعد والفرقا أصالي مرورها
أيا أيها الورق الذي أنت ساهر
لك النوح شطرٍ من معالم شطورها
آه وا عضيدي راح.. ما عاد يرجع
باللحد ثاوي في مطاوي قبورها
(أبا براك) زبن الجاذيات ابن ثامر
وان همّلوا عصمان الأيدي سيورها
أيا ليت (أبو براك) بالكون حاضر
به صولةٍ جتنا. كفى الله شرورها
لفتنا: ربيعة وابن جشعم ولامها
معا.. عسكر الدولة، وجملة حضورها
ومعهم عقيلٍ، والقبايل جميعها
واللي بقلبه حسفةٍ.. جا.. يدورها
واشاروا علينا بالقطيعة، وذبحنا
والاطواب تكفي في ملاهي زمورها
دعونا الصبح, واحنا نلملم جموعنا
وحاروا، وداروا.. كيف حالٍ ندورها
و(صالح) نهار الكون زيزوم حربنا
عزنا، وزبن رجالنا عن عقورها
وانا على قبّاً.. قحومٍ وعندلٍ
رفوعٍ، وشعوى لى تمثنت وعورها
ركضنا عليهم ركضةٍ (هاشميّة)
وراحت تناحي بالعوالي صدورها
غدا ذاك مذبوح, والاخر مخلاّ
وهناك حقٍّ للحدا مع نسورها
وليناهم, وطابت بهم نفس لابتي
ليا عاد (ابو برغش) حماها، وسورها
لمن خاب ذاك اليوم منّا، ومنهم
رايات سودٍ تنتشر في نشورها


ثم سار حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر السعدون الى بغداد واحتلها عسكريا ، وقام بفرض تعيين دخيله سعيد كوالي لها ( كان عمر سعيد وقتها 20 سنة ) وبعد فترة وصل فرمان عثماني بالقبول بسعيد كوالي لبغداد وهي أكبر اهانة تلقتها الدولة العثمانية في العراق من العرب ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، مختصر الشيخ أمين الحلواني ، عند حديثه عن دخول الأمير حمود بن ثامر السعدون ومعه سعيد الى بغداد , ص: 304 ((( ثم توجه حمود مع سعيد باشا الى بغداد , ودخلاها بالموكب والأبهة والجاه , وكاتب سعيد باشا الدولة فجاءه الفرمان بأنه والي بغداد والبصرة وشهرزور , فرجع حمود الى المنتفق , لكن سعيد باشا لايبرم صغيره ولا كبيره الا بمشورته))). يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو, ج3 , ص: 285 ((( فدخل حمود الى بغداد مع سعيد الذي كان في حمايته , وكان هذا نصرا لآل سعدون لا مثيل له . لم يكن سعيد مؤهلا لمنصبه , فلم يكن عمره سوى واحد وعشرين عاما ولم تكن لديه أي خبره في ادارة شؤون الدولة ))). يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود (المعاصر للأحداث) ، عند حديثه عن سعيد باشا في بغداد التابع لحاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر ، والمنصب من قبله كوالي على المناطق العثمانية في العراق ، ص: 281 ((( فلما انتظمت اموره رجع حمود منه منعما اليه معظما مع انه وان بعد عنه فهو قلبه ، بل مجنه ودرعه وسنانه وعضبه ، لايصدر امر الا وهو ناظم عقده ، ولاتوارى نار حرب الا بزنده ، ولايولى امير الا باستشارته ، ولايعقد صلح الا وهو المطلع على سفارته))).

وقد فرض آل سعدون نفوذهم على كامل العراق منذ تعيينهم لسعيد باشا (عام 1813م) وحتى إعدام سعيد باشا من قبل العثمانيين (عام 1817م) ، وهو مالم تتمكن أي أسرة أو قبيلة أو امارة في العراق من فعله طوال الحقبة العثمانية ، يذكر فرض الأمير حمود بن ثامر لنفوذه على كامل العراق المؤرخ حمد بن لعبون (المعاصر للأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، ص:660 ((( وجرح برغش بن حمود . ثم : أنه مات وقتلوا عبدالله باشا وسار حمود وجه اسعد لبغداد , وملك العراق ورجع ))). ويذكر كاظم فنجان الحمامي ، في مقاله : بين الناصريتين .. ناصرية العرب وناصرية العجم (((واستمرت المعركة لعدة أيام, انتهت بالنصر المؤزر لصالح المنتفك, الذين بسطوا نفوذهم السياسي والقومي على العراق كله, من شماله إلى جنوبه))). يذكر عبد الحليم احمد الحصيني ، في مقاله : الناصرية في أروقة الزمن (((والى ايام الفضلية وهي المعركة التي اندحر فيها الفرس عام 1777 عندما توغلوا في اراضي المنتفك وحصلت المواجهة في منطقة الفضلية الواقعة على نهر الفرات على بعد عدة اميال من العرجة وتكبدوا فيها خسائر فادحة من جراء غيهم بعد ان لقنوا درسا بليغا من اهالي المنتفك الذين كانوا لهم بالمرصاد والى ايام ابو حلانه يوم لم يروق للفرس هزيمتهم في معركة الفضلية تقدموا بقواتهم نحو المنتفك والتقو عند ( ابو حلانة) نهاية عام 1778 وعندها ابلى رجال المنتفك بلاء حسنا وابادوا القوات الفارسية ابادة تامة وغنمو خلالها العديد من الاسلحة والمعدات ومن ابو حلانة الى اغليوين (جدول يقع بين الناصرية وسوق الشيوخ) دارت عنده المعركة بين المنتفك والقوات العثمانية اوائل عام 1813م ودارت المعركة سجالا بين الطرفين حيث كانت الغلبة بادئ الامر لصالح قوات الوالي العثماني حيث يفوقون المنتفك عددا وسلاح . ولكن صلابة المنتفك وبسالتهم غيرت من نتائج المعركة واصبحت الكفة لصالح المنتفك وحوصرت قوات الوالي العثماني وقتل اغلبية القادة وهكذا تلقت القوات العثمانية ضربات موجعة لم ينج منها الا نفر قليل ولى هاربا رغم الاستعدادت الكبيرة وثقل القوات المهاجمة وسجلت المنتقك نصرا كبيرا . اثبتت المنتفك من خلاله انها صاحبة القرار بكل ماتريد او لاتريد وفي كل ارجاء العراق من شماله الى جنوبه))).

يذكر تبعات هذا النصر الكبير لحكام مملكة المنتفق أسرة آل سعدون الأشراف ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 280 ((( ولما حصل لذلك العسكر ماذكرنا قوية شوكة حمود وصلبت قناته ، ولم يبق عنده لوزير ولا امير حرمة ، وحلف من رق دينه انه من اولياء الله ، وانه لاغالب يغلبه ، وصار امر سعيد بيده ، ولهذا أعطاه وأخوانه مافي جنوب البصرة من القرى فضحك لهم الزمان ، ودار بمايشتهون الجديدان ، واطاعهم الحاضر والبادي ، وسالمتهم قهرا الاعادي ، وصار لايضرب مثل شرف الا بهم ولايوجد التبختر الا في شيبهم وشبابهم ، ولاترحل مهرية الا لتناخ في رحابهم ، ولايتسامر في المحافل الا بمدائحهم ، ولا يتنافس الماثل الا بذكر صفائحهم))). ويذكر سليمان فائق بك (وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر ) ، في كتابه عشائر المنتفق , ص:35 ((( وبناء على هذه الوقعة الكبيرة نالت عشائر المنتفق الشهرة العظيمة , وانتشر خبر حمود الثامر في كل الأطراف , وهابته العشائر , ولقبته بسلطان البر . وبدأوا يسمونه سلطان حمود الثامر ))). يذكر المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م، في كتابه الأعلام ، عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير حمود بن ثامر بعد انتصاره وقتله لوالي بغداد وفرضه لسعيد بالقوة العسكرية كوالي لبغداد ، المجلد الثاني ، ص:281 (((وقصده الشعراء بالمدائح، فكانت جوائزه حديث الناس، أو كما يقول المؤرخ ابن سند: كجوائز بني العباس))).

كان هذا عرض موجز لبعض أبرز الأحداث في فترة حكم الأمير حمود بن ثامر السعدون ، وسوف يكون هنالك ان شاء الله بحث مفصل لاحقا عن فترة حكمه.

28- أمثال شعبية أرتبطت بحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله:

نسلط الضوء هنا على بعض الأمثال الشعبية التي أرتبطت بحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله، ونعرض شرح موجز عنها ، وكنا في هذا البحث قد تحدثنا عن جوانب من شخصية الأمير ثويني بن عبدالله كما ذكرها معاصروه وهي تتعلق بقوة حكمه وشجاعته وإقدامه وآثاره العمرانية وتخطيطه العسكري والإقتصادي وثقله السياسي في تاريخ العراق والمنطقة الإقليمية ، بالإضافة الى صناعته لأهم حدث في تاريخ العراق والذي يدور حوله هذا البحث ، الا اننا هنا سوف نتطرق للجانب الأخر من شخصيته وهو ماتعبر عنه بعض الامثال الشعبية التي ارتبطت به.. هذا الجانب يتعلق بكون هذا الحاكم على الرغم من قوة شخصيته وعلى الرغم من كل ماواجهه في حياته من أحداث و معارك كثيره وبعضها كان ضخما إلا انه كان شخصية مرحه تحب المزاح مع شعبه وأبناء القبائل التابعه له.

1-كره ثويني لغضبان:

يضرب لشدة الكراهية التي تتحول لصداقة ، وذكره الرحالة الإنجليزي جيمس باكنغهام ، وقال باكنغهام أن ثويني بن عبد الله بعد هذه الكراهية لجأ إلى غريمه غضبان الكعبي حاكم الحويزة، فقام الأخير بإكرامه كما ولاه شكلياً على أحد المقاطعات التابعه له، وأهداه خاتمه دلالة على ذلك، فحوّل كرم الضيافة، ونبل الأخلاق العربية تلك الكراهية إلى نصرة وصداقة.

2-ردة أولاد واحد:

يضرب لمن يتمادى في غيّه، فيأتي من يردعه، وأصله أن مجموعة صغيرة من قبيلة الشريفات - عزوتهم (أولاد واحد) - خرجوا ذات ليلة باردة للسرقة (الحنشلة)، فلم يوفقوا، فعبروا النهر سباحة، ونزلوا ضيوفاً على حاكم ملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبد الله، وكان محباً للمزاح، فأدرك ماكان يقومون به فأحب أن يردعهم لكن بدون أن يبطش بهم، فطلب منهم أن يصوّروا عملية السباحة على أرضية المجلس، فخجلوا من ذلك، وقالوا: (لا تجوز السباحة إلا في النهر)، واستمراراً فيما بدأ به سار بهم إلى النهر، وأمرهم بالسباحة، ففعلوا، وظل يستزيدهم حتى قاربوا على الهلاك لبرودة المياه، فعبروا النهر إلى الضفة الأخرى، ولاذوا بالفرار، وثويني يناديهم: (ردّوا.. ردّوا.. أولاد واحد) ثم بعث من يأتي بهم، فجاءوه، وكافئهم. وهذا يعكس جانب من شخصية الأمير ثويني بن عبدالله حيث أنه مع إمكانية بطشه بهم لممارستهم السرقة ، الا أنه أراد ردعهم بطريقة أقل حدة.

3-حالف ماأفارق ضيف الله:

يضرب لمن يعكف على مكان لا يفارقه، وقاله ضيف حل على حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبد الله ليلاً بعد فوات موعد العشاء، ولم يكن الضيف ذا قدر كبير، فاستأذنه الأمير ثويني في تقديم ما تبقى من وليمة العشاء له، فرفض الضيف، وطلب حق ضيافة الوجهاء كاملاً، وإن كان الوقت متأخراً، وعندها أمر الأمير ثويني بتحضير ضيافة الوجهاء بشكل كامل. وكان للأمير ثويني جفنة كبيرة تسمى (ضيف الله) تتسع لكيس رز كبير، وعندما قدم الطعام أصبح الأمير ثويني يقطع اللحم للضيف المتكبر، وقد سل جزءاً من سيفه، ويحث الضيف على الأكل حتى امتلأ، وأراد القيام لكن ثويني شدد عليه أن يستمر في الأكل حتى أوجس الضيف خيفة من هذه الحفاوة الزائدة، فـ (شد وسطه بكوفيته، ولف عباءته على كتفيه، وصار يدور حول الجفنة، ويردد بأسلوب حربي إيقاعي: حالف ما أفارق ضيف الله)، فضحك الأمير ثويني منه، وزاد في إكرامه.

4-بيعة طعيس:

يضرب للرجل الذي يصر على فعل ما، ولو أيقن أن فيه هلاكه، وقيل تذكيراً بفعلة طعيس مملوك بني خالد الذي اغتال الأمير ثويني بن عبد الله عام (1797م) وذلك عندما ضربه بحربه في ظهره غدرا وهو في معسكره.

5-هذا والعذر ياثويني:

مثل أصله كلمة قيلت في موقف بذل فيه المعتذر غاية مجهوده, وهي روحه العزيزة، وقد قالها الأمير نجم بن عبدالله لحظة مقتله في معركة غليوين سنة 1228هـ بعد مشاركته مع جيش والي بغداد عبد الله باشا لمهاجمة المنتفق. وكان الأمير نجم بن عبدالله جالياً مع أسرته وبناته لدى قبيلة زبيد مغاضباً لحاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر حمية منه لأخيه الأمير ثويني بن عبدالله.

29- خاتمه:

سلط هذا البحث الضوء على أحداث تاريخية مهمه صاغتها أسرة آل سعدون الأشراف ، أبرز أسرة عربية ظهرت في تاريخ العراق في العصر الحديث (الأربع قرون التي سبقت الحرب العالمية الأولى) ، وهي الأسرة التي أسست دولة عربية (مملكة المنتفق) والتي لعبت الدور الأبرز في تاريخ العراق ، وكانت معظم وقائع العراق تاريخيا مما يتعلق بها ، وهي الأسرة التي أسست أيضا اتحاد قبائل المنتفق وهو أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي ، وهذه الأحداث التي شملها البحث هي أحداث فريدة تاريخيا ، وبعضها لم تتمكن أي أسرة في العراق من أن تسبقهم بها أو حتى تكررها ، وهذه بعض الأحداث التي شملها البحث بشكل موجز وهي:
1- تعاون الدولة العثمانية والفارسية (في سابقة تاريخية) ضد الأمير مانع بن شبيب آل شبيب بعد أن عجزت الدولة العثمانية عن هزيمته واخراجه من مدينة البصرة والتي اتخذها عاصمة لمملكة المنتفق.
2- طرد الأمير مغامس بن مانع آل شبيب للبضائع الإنجليزية من البصرة بعد توقيعه لإتفاقية تجارية مع الهولنديين.
3- مواجهة الأمير مغامس بن مانع آل شبيب للدولة العثمانية بأكبر جيش يواجهها تاريخيا في العراق والجزيرة العربية.
4- بدء آل سعدون بتشجيع القبائل والعشائر العربية للهجرة للعراق منذ عهد الأمير محمد بن مانع آل شبيب ، وذلك للمحافظة على عروبة العراق في وجه العثمانيين والفرس ومحاولاتهم لطمس هوية العراق العربية.
5- ثورة الأمير سعدون بن محمد آل شبيب وتلقبه بسلطان العرب.
6- مرحلة حكم الأمير عبدالله بن محمد وتعرض الدولة في عهده لغزو فارسي ضخم وإبادة القوات الفارسية في معركتين (24 ألف مقاتل فارسي) مع بعض أبناء الأسرة الزندية الحاكمة في الدولة الفارسية (أخوان حاكم الدولة الفارسية) ، ثم تحرير البصرة.
7- تأسيس مدينة سوق الشيوخ للسيطرة على تجارة المنطقة.
8- فرض أسرة آل سعدون الأشراف لنفوذهم على كامل العراق في الفترة مابين 1813م -1817م في عهد الأمير حمود بن ثامر.

ولقد ناقش هذا البحث بشكل رئيسي أبرز الأحداث في فترة حكم حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وخصوصا أهم حدث في تاريخ العراق في الحقبة لعثمانية وذلك عندما قام الأمير ثويني بن عبدالله أولا بإعلان استقلال العراق بأكمله ومخاطبة الخليفة العثماني بذلك ، بعد جمعه لمعظم عرب العراق في وجه العثمانيين ، ثم ماقام به ثانيا من توحيد العرب والأكراد في توجه موحد لإستقلال العراق بأكمله ، مضحيا بحكمه مرتين في سبيل ماسعى اليه وهو ماشكل سابقتين في تاريخ العراق ، وعلى الرغم من كونه كان يستطيع أن يبقي الوضع على ماهو عليه من حكمه لنصف العراق وتقاسمه للنفوذ على مدينة البصرة مع العثمانيين ، الا انه أختار الطريق الأصعب وصناعة التاريخ بحدث لم يسبقه أحد اليه ولم يكرره أحد بعده. ولقد كان إنشقاق الأمير حمود قد فوت على عمه الأمير ثويني فرصة النجاح بشكل كامل في الإستقلال بالعراق وطرد الاتراك منه حيث انهم لو كانوا متحدين مثل ماحصل في معركة غليوين ، لكان العراق بأكمله عربيا منذ تلك اللحظة. والغريب أنه بعد كل المعارك التي خاضها الأمير ثويني بن عبدالله أمام امبراطوريات كبيرة مثل دولة الخلافة العثمانية والدولة الفارسية أو دول أقليمية أصغر مثل دولة بني خالد أو الدولة السعودية الأولى أو دولة بني كعب وسواء كان يقود قوات ضخمه من دولته أو كان يقود قسم صغير من اتباعه لم يكن مقدرا له أن يقتل في ميدان القتال بل كان قدره أن يتم اغتياله خارج ساحة المعركة.

في الختام نذكر بشكل موجز وفاة بعض أبرز الشخصيات التي ذكرها هذا البحث مرتبه حسب تاريخ الوفاة ، أولا الإمام أحمد بن سعيد حاكم عمان توفي عام 1783م ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، عند حديثه عن حاكم عمان الامام أحمد بن سعيد ، ص: 130((( فهو لذلك كله يستحق أن ندرسه ضمن قادتنا البارزين ، الذين حققوا الوحدة لبلادهم ، ووقفوا بوجه الأخطار الأجنبية ، بخاصة الفارسية ، حتى وفاته عام 1783م))). ثانيا الأمير سعدون بن عريعر حاكم دولة بني خالد توفي عام 1791م (1205هـ) ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 361 ((( ذكر أنه توفي في الدرعية بعد أكثر من خمس سنوات من لجوئه اليها))). ثالثا الأمير عبدالمحسن بن سرداح حاكم دولة بني خالد قتل عام 1792م (1206هـ) ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، أحداث سنة 1206 هـ ، ج: 1 ، ص: 179 ((( وفيها قتل عبدالمحسن بن سرداح رئيس بني خالد بالقديم ، وذلك أن عبدالمحسن بعد وقعة غزيميل المتقدمة هرب الى المنتفق ، وتولى في بني خالد زيد بن عريعر كما ذكرناه من قبل ، ثم ان زيد المذكور واخوانه أرسلوا الى عبدالمحسن وبذلوا له الصداقة والأمان، ووعدوه ومنوه ، حتى جاء اليهم واجتمع بهم فقتلوه في مجلسهم))). رابعا الأمير براك بن عبدالمحسن حاكم الأحساء الأسمي المعين من قبل الدولة السعودية الأولى قتل عام 1798م (1212هـ) ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 364 ((( هو أخر حكام بني خالد ، خلف والده في زعامة المعارضين لأبناء عريعر ، وقد حاول مقاومة الدرعية ولكنه قنع في النهاية بعد هزيمة الشيط وماأعقبها من أحداث بزعامة الأحساء كأحد الأمراء المعينين من قبل الدرعية ، الا أنه كان متقلبا في ولائه للدرعية حتى قتل في احدى غزوات عبدالعزيز بن محمد على قبيلة شمر في العراق سنة 1212هـ / 1797 – 1798 ))). خامسا سليمان باشا والي بغداد توفي عام 1802م (1217هـ)، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 242 ((( وفي السنة المتممة للثلاثين من ولادة المترجم الرشيد الامين والناصر لدين الله ... توفي الوزير سليمان ابو سعيد)))، هي السنة الثلاثين من ولادة داوود باشا. سادسا الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود حاكم الدولة السعودية الأولى قتل عام 1803م ( 1218هـ) ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج: 1 ، ص: 264 ((( ثم دخلت السنة الثامنة عشر بعد المائتين والألف ، وفي هذه السنة في العشر الاواخر من رجب ، قتل الامام عبدالعزيز بن محمد بن سعود في مسجد الطريف المعروف في الدرعية ، وهو ساجد في أثناء صلاة العصر ، مضى عليه رجل قيل انه كردي من أهل العمادية بلد الاكراد المعروفة عند الموصل اسمه عثمان .... فوثب عليه من الصف الثالث والناس في السجود ، فطعنه في أبهره رحمه الله ، أو في خاصرته أسفل البطن ، بخنجر معه كان قد أخفاه وأعده لذلك))). سابعا سعيد باشا والي بغداد (المنصب من قبل حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر) أعدم من قبل العثمانيين في عام 1817م ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، المجلد السادس، ص: 277 ((( ثم قتله محمد آغا معتمد حالت داخل القلعة يوم الأربعاء 10 من شهر ربيع الآخر. وحكى صاحب تاريخ الكولات تفصيل مأساة قتلته بشكل روائي داع للألم. وبين قسوة داود باشا، وأن آغا الينكجريه وبعض الأعوان الآخرين قد عهد اليهم بقتله فقتلوه. أخذوه من حجر أمه... فانتهت المأساة))). أخيرا الأمير حمود بن ثامر حاكم مملكة المنتفق توفي بالطاعون عام 1831م (1247هـ)، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، ص: 178 ((( أصيب بالطاعون ، فتوفى في 13 شعبان 1247هـ الموافق 1831م عن عمر يتجاوز السبعين))). رحمهم الله جميعا.


30-ملحق: السياسات العثمانية تجاه آل سعدون منذ القرن التاسع عشر وسقوط مملكة المنتفق في الحرب العالمية الأولى:

تعاملت الدولة العثمانية مع مملكة المنتفق بعدة سياسات الهدف منها هو القضاء عليها ومن هذه السياسات الحملات العسكرية الضخمه والمتتابعه لعدة قرون والتي لم يتعرض لمثل عددها وحجمها اي امارة او قبيلة في العراق ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) ومحاولات الدولة العثمانية التي لاتحصى للقضاء عليها ، ص: 122 ((( وقائع المنتفق كثيرة ، والتدابير المتخذة للقضاء على الامارة لاتحصى))) ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه كتاب عشائر العراق ، ج4 ، قسم امارة المنتفق ، ص: 26 ((( ولايهمل ماوقع من تدابير متخذة لامر فل القوة أو جعلها بحالة ضعيفة لاتستطيع مقاومة الحكومة أو الدولة في تدابير القضاء على امارتها باقتطاع أجزاء منها من جهة البصرة، ومن انحاء العمارة، ومن أطراف السماوة لفصل سلطة بعض العشائر. وحوداث ذلك تدعو الى ماينبه على السياسة المتبعه. أو ماتخذته هذه الامارة من تدابير لدرء الخطر الذي شعرت به، وفي كل هذه تدهشنا ناحية مهمة وهي ان العشائر لم تنفصل عن الامارة، وانما ناضلت معها نضال المستميت ودافعت دفاع الابطال))) ، وتخلل هذه المحاولات من الدولة العثمانية فترات توافق سياسي بين الطرفين ، ومنذ العام 1832م بدأت الدولة العثمانية تحرز تقدما بطيئا في التفوق على مملكة المنتفق ، وتنوعت سياساتها وأصبحت على شكل مراحل ، لكل مرحلة ملامح خاصه بها ومده زمنية ، أما العامل المشترك والذي بدأ العثمانيون فيه قديما واستمروا به في كل المراحل التالية هو اللعب على وتر الانشقاق بالأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل شبيب سابقا وآل سعدون لاحقا ) ، تبدأ أول هذه المراحل عندما أستطاع العثمانيون ومنذ الربع الثاني من القرن التاسع عشر إجبار حكام مملكة المنتفق المتصارعين على الحكم على الإنتظام بدفع الضرائب للعثمانيين منذ عام 1832م – ماعرف بمرحلة الالتزام ، وبدأت هذه المرحلة بعد الطاعون الكبير الذي ضرب العراق والذي أضعف موقف آل سعدون أمام العثمانيين حيث فقدوا معظم السكان في عاصمتهم مدينة سوق الشيوخ والتي انخفض عدد المنازل فيها من 20 ألف منزل قبل الطاعون الى 800 منزل بعده ، والذي أدى الى خسائر اقتصادية أيضا لـ آل سعدون ، يذكر الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، وذلك عند حديثه عن مدينة سوق الشيوخ والطاعون الذي اجتاحها ، ص: 55 ((( وعندما اجتاح الطاعون في 1831 العراق بأجمعه وجه أول ضربة لرفاهية هذا المركز التجاري العربي الصرف))) ، وقد كانت أبرز ملامح هذه المرحلة هي إقتناع الدولة العثمانية بعدم جدوى محاولة القضاء على مملكة المنتفق بالحل العسكري فقط ، لذلك اتجهت الى سياسة أخرى بجانبه وهي دعم الطامحين بالحكم من ابناء الأسرة الحاكمه في مملكة المنتفق وإشاعة ذلك بينهم مما ترتب عليه ظهور العديد من المتنافسين من ابناء الأسرة وكل ماكان عليهم القيام به هو الذهاب لبغداد وطلب الدعم للوصول الى الحكم ضد الحاكم الفعلي وتقوم الدولة العثمانية بتوفير الدعم العسكري والمادي والسياسي لهم ، مقابل قيام المتنافسين بخلق انصار لهم بداخل دولتهم من قبائلهم وعشائرهم وتعهدهم بدفع الضرائب للدولة العثمانية.

ثم تبع ذلك المرحلة الأخطر والأكثر تأثيرا وهي مرحلة الإفراز ، والتي بدأت منذ عام 1853م وحتى عام 1881م والتي تعني التنازل عن مناطق بكامل عشائرها وقبائلها للعثمانيين بموجوب وثائق يتم توقيعها وتم خلالها التنازل عن أكثر من نصف مساحة مملكة المنتفق للعثمانيين وتتلخص هذه المرحلة بدعم أحد أفراد الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق (آل سعدون) ضد الحاكم الفعلي من أبناء عمه, وهذا الدعم يكون بالقوات العسكرية العثمانية والسلاح والإعتراف السياسي بحكمه، وذلك مقابل تخلي الحاكم الجديد عن اراضي من دولته بكافة قبائلها وعشائرها للدولة العثمانية، وكان أول إفراز هو إفراز لواء السماوة كاملا بكل عشائره وقبائله والتنازل عنه للدولة العثمانية وذلك عام 1853م من قبل الأمير منصور السعدون. يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون (الصادر عام 1929م ) ، مرحلة الإفراز وتدرج العثمانيين باقتطاع أراضي مملكة المنتفق.، ص: 29 (((وتم للعثمانيون ماارادوه في بلاد المنتفق وكانوا يعملون عليه منذ قرون فقد جاؤا على البنيان بالهدم حجارة حجارة حتى اتوا عليه وقد تدرج العثمانيون ينتقصون مملكة المنتفق من السماوة والعمارة ومن أنحاء البصرة))). يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى ، آثار الصراع على الحكم في مملكة المنتفق ، في كتابه عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في أواخر القرن الثالث عشر وأول القرن الرابع عشر ، ص: 23 ((( وحاصل الأمر ان حكم المنتفق مرج وتغلبت عليهم الدولة ، فكانوا يولون من أرادوا توليته ويعزلون من ارادوا عزله ، وذلك لكثرة خلافهم وتفرقهم )))، ومن السياسات التي بدأت الدولة العثمانية في هذه المرحلة تطبيقها في محاولة لإستمالة آل سعدون ، هي سياسة منحهم ألقاب رسمية عثمانية ، حيث كان الأمير منصور السعدون أول من حصل على لقب (باشا) من آل سعدون ، حيث منح سنة 1276هـ (1860م) رتبة (مدير الإسطبل العامر) مع لقب (بيك) ثم (باشا) بعد ذلك ، و استمرت الدولة العثمانية في هذه السياسه منذ ذلك الوقت ، وأصبح حكام مملكة المنتفق يظهرون بألقاب عثمانية. تخلل هذه المرحلة حدثين مهمين وهما تأسيس لواء المنتفق عام 1869م ثم تأسيس ولاية البصرة الكبرى عام 1874م ،حيث كان الأمير منصور بن راشد السعدون يقيم في بغداد وأحد أعضاء مجلس الحكم فيها وذلك بعد صراعه على الحكم مع أخيه الأمير ناصر السعدون وولد عمه الأمير فهد بن علي السعدون ، وقد أراد الأمير منصور السعدون الوصول للحكم بدعم عثماني و بنفس الوقت إيقاف سياسة الإفراز تجاه مملكة المنتفق لذلك عرض على العثمانيين ضم ماتبقى من مملكة المنتفق الى الدولة العثمانية في حال دعمهم له للوصل الى الحكم ، وان يصبح في منصب متصرف في أراضي المنتفق وبالتالي لايوجد مبرر لطلب التنازل عن أراضي من مملكة المنتفق الى العثمانيين ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، مجلد: 7 ،حوادث سنة 1280هـ - 1863م ،ص: 168 (((وكان الشيخ منصور من أعضاء المجلس الكبير ببغداد وهو منقاد لرأي الحكومة، فأبدى أن لاحاجة الى فصل بعض المواطن، وبين أنه اذا عينته الحكومة قائممقاما (متصرفا) جعل المنتفق كلها تابعة للدولة كسائر البلاد العثمانية))) ،ومنذ ذلك التاريخ بدأت المنتفق تفقد استقلالها ، وأصبحت مرتبطه جزئيا بالدولة العثمانية وبشكل رسمي ، يذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وأسرة المشيخة لقبائل المنتفق (أسرة السعدون الأشراف)، في كتابه الكويت وجاراتها، ج1، ص: 159 (((وقد هاجروا من الحجاز إلى بلاد ما بين النهرين في أوائل القرن السادس عشر. وفي ظل عائلة السعدون حافظ اتحاد المنتفق على استقلاله من الأتراك حتى سنة 1863))) ، وكان الأمير ناصر السعدون (منافسه على الحكم) قد أدرك خطورة هذه الخطوة في حال تطبيقها فعليا ، لذلك وبعد صراع سياسي بين العثمانيين وحكام المنتفق ، اتفق الأمير ناصر السعدون مع مدحت باشا والي بغداد على تحويل ماتبقى من مملكة المنتفق الى لواء يسمى باسم لواء المنتفق يحكم من قبل آل سعدون ويعترف بالتبعية الأسمية للعثمانيين ويكون حل وسط يرضي جميع الأطراف ويؤدي الى تهدئة المنطقة ، وقد رفع مدحت باشا ذلك للباب العالي وتم الموافقة عليه ولذلك تقرر أن يقوم الأمير ناصر السعدون ببناء عاصمة جديدة في عام 1869م تكون مركزا للواء المنتفق، وكان الأمير ناصر قد حصل سابقا في عام 1867م على رتبة "أمير الأمراء" ولقب "باشا" من قبل الدولة العثمانية . يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق، وذلك عند حديثه عن والي بغداد مدحت باشا، ج:4 ، ص: 119 ((( قرب ناصر باشا وارضاه واستغله لاموره الاخرى .. وان ناصر باشا لم ير بدا من تنفيذ رغبات الوالي فبنى بلد (الناصرية) باسمه سنة 1268هـ - 1869م. وبذلك ألغى فعلا امارة المنتفق بتأسيس هذه المدينة فصارت مركز اللواء ، وكانت مقدمة الاستيلاء على هذه الامارة))).


ولد الأشراف غير متواجد حالياً