عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-2012, 10:39 PM   #10
عضــو لامـــــي
 

الصورة الرمزية ولد الأشراف
 

تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 25
آخـر مواضيعي
 

افتراضي




18- أول ملحمة تاريخيا في سبيل إستقلال العراق بأكمله – معركة أم الحنطة:

كانت كل تحركات آل سعدون الأشراف حكام مملكة المنتفق العسكرية ضد العثمانيين سابقا تتمحور بشكل عام حول سببين ، السبب الأول انتزاع مدينة البصرة وجعلها عاصمه لمملكتهم لكونهم يرون أحقيتهم بالمدينة تاريخيا وحتى قبليا وعشائريا ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن الرغبة الدائمة لدى حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف في أن تكون البصرة عاصمة دولتهم وأن ينتزعوها من ولاية بغداد العثمانية المرتبطه بها ، ج:3 , ص: 598 ((( كانوا يحلمون، ان لم يكن بامبراطورية واسعة فبدولة للمنتفق مستقلة عن بغداد وتكون عاصمتها البصرة))). والسبب الثاني الدفاع عن مناطق حكمهم في نصف العراق الأسفل من حملات التوسع العثمانية القادمة من بغداد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، وذلك عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق – نصف العراق الأسفل - أسرة آل شبيب الأشراف (والتي عرفت لاحقا بآل سعدون ) وعند حديثه عن قبائلهم في القرن السادس عشر الميلادي , ج 3 ، قسم المنتفق , ص :592 (((أصبحوا الآن يسعون بصورة متواصلة إلى السلطة مما جعلهم يصبحون في النهاية سادة العراق الأسفل . لقد كانت الظروف مؤاتية لهم لكنهم ماكانوا يستطيعون استغلالها لو ظلوا محتفظين بالعقلية التقليدية لقبيلة بدوية عادية . وبالفعل يبدو انه قد تم في نهاية القرن السادس عشر أعادة تشكيل المنتفق من الرأس إلى القاعده بأن قامت عائلة شبيب بتوحيد المنتفق وقبائل أخرى في اتحاد واحد موال لها وحدها))).

لذلك فإن ماسعى اليه حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله كان ظاهرة جديدة بالنسبة للعثمانيين ، وهو سعيه لحكم كامل العراق وطرد العثمانيين منه وبالتالي رأى الأتراك أعظم الخطر بنقل الصراع بإتجاه نفوذ الأتراك في ولاية بغداد وشمال العراق من قبل حاكم مملكة المنتفق ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((ولذلك فقد لجأت السلطة العثمانية إلى استخدام أقصى ما لديها من قوة عسكرية لكبح جماح تلك الظاهرة الجديدة ))). وقد أدرك سليمان باشا خطورة المعركة وأنها معركة فاصله بين العرب والعثمانيين في العراق لذلك بدأ باللعب بالسياسه حتى يمزق تحالف عرب العراق بقيادة حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ضد العثمانيين ، حيث قام بإستمالة الأمير حمود بن ثامر ضد عمه الأمير ثويني بن عبدالله ( ثويني هو أخو ثامر- والد حمود - من أمه وولد عمه المباشر) والذي كان يدرك أن بينه وبين عمه عدم ود نشأ بعد ماقام سليمان باشا بنفسه بالصلح بين الخزاعل والمنتفق ، وكون سليمان باشا كان صديق مقربا لثويني فهو يدرك آثار هذا الصلح على ابن أخيه الأمير حمود بن ثامر، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 326 ((( وكان الوزير قبل خروجه من بغداد راسل (حمود بن ثامر بن سعدون) فوفد على الوزير منابذا عمه لعمه ثويني))). وكان الأمير حمود بن ثامر قد انشق على عمه بسبب رفضه التحالف مع الخزاعل (حيث كان تركيز حمود على الثأر لوالده من الخزاعل أكبر من تركيزه على الحدث الأعظم في تاريخ العراق في الحقبة العثمانية وهو تحقيق إستقلال العراق بأكمله وضم قسميه لبعض ، القسم العثماني ( ولاية بغداد وشمال العراق) ، والقسم العربي - مملكة المنتفق- التي تشمل معظم مناطق نصفه الأسفل) ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، عند حديثه عن الأمير حمود بن ثامر (((حيث قام الأخير بالسفر على بغداد لعرض خدماته السياسية والعسكرية على السلطة المملوكية مقابل دعمه ماليا وعسكريا ، فاستقبل في الباشوية بحفاوة بالغة. وكانت تلك الحالة من اكثر المخاطر التي حالت دون تطور العمل المحلّي وتناميه إلى وضع يتّسم بالشمولية والنظر البعيد))).

وعلى الجهة الأخرى كان سليمان باشا قد راسل دولة بني كعب طالبا منها دعمه ضد مملكة المنتفق على الرغم من أن دولة بني كعب حليف للدولة الفارسية (عدوة العثمانيين) ، ثم قام بعزل حمد الحمود شيخ الخزاعل في الفرات الأوسط وتعيين محسن الحمد في مكانة ، يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عند حديثه عن والي بغداد سليمان باشا وسياساته , ص: 216 ((( ثم عمد الى الدس المقصود , وراح يعمل على الاستفادة من نقطة الضعف العربية الممية التي كثيرا ما استفاد منها أعداء العرب , ومايزالون , في تفريق صفوف العرب وضرب بعضهم ببعض . وبذلك مارس جوهر السياسة التركية في حكم العراق خلال العهود المختلفة , فنجح فيه الى حد بعيد ونال مبتغاه . فقد كتب الى شيخ بني كعب القريب من البصرة طالبا معونته ضد المنتفكيين خصوم كعب ومنازعيهم على النفوذ في منطقة البصرة . واستمال حمود الثامر السعدون قريب ثويني ومنافسه في زعامة تلك القبائل . كما قرر عزل حمد الحمود شيخ الخزاعل في الفرات الأوسط وتعيين محسن الحمد في مكانة))). وبعد أن اطمئن سليمان باشا لماقام به سياسيا وتأثيره على عرب العراق المتحالفين ضده بقيادة الأمير ثويني بن عبدالله ، بدأ الإستعداد للتحرك عسكريا وذلك بتجميع قواته ، يقدر عدد قوات الدولة العثمانية في العراق (ولاية بغداد وشمال العراق) في تلك الفترة ، أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((وبعد إضافة قوات الإسناد من منطقة كردستان في الشمال فتقدّر قوات باشوية بغداد بـ ( 40 ـ 50) ألف رجل . ويمكن لباشا بغداد في الواقع أن يجمعها دون أن تتكبّد خزانته نفقات مهمة في هذا المجال. ويعود تفسير ذلك على طبيعة المجتمع الإقطاعي وما يحتمل في حروبه من (غنائم) يمكن أن تستحصل من المهزومين غالبا))). وقد راسل سليمان باشا (والي بغداد) أمرء الأكراد للإلتحاق بقواته ، الا أن قادتهم أعلنوا عن وجود مشاكل داخلية لديهم في محاولة لعدم المشاركة في قتال العرب ، لذلك أمر سليمان باشا بعزلهم واستبدالهم بغيرهم ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((بدأت باشوية بغداد ـ كما هي عادتها ـ بالإيعاز إلى أغوات الشمال من الكرد في التحشّد ، والسير لقتال الأحلاف العربية القبلية المنتفضة في وسط وجنوب العراق . وعلى الرغم من أن بعضهم قد اعتذر عن السير لقتال القبائل المنتفضة كإبراهيم باشا وعبد الفتاح باشا وهما من أكابر الاغوات الكرد في الشمال ، و أعلنا بوجود مشكلات داخلية لديهم في كردستان ، أو في الطرق الموصلة بين بغداد وشمال العراق إلا أن ذلك يعكس على نحو واضح عدم رغبتهما في المشاركة بسبب تقديرهما لحجم المخاطر التي ستلحق بهما أمام تلك القوى المحلية المنتفضة . واستاء حاكم بغداد سليمان باشا الكبير 1780ـ 1802من قرار الاغوات الكرد بعدم المشاركة في القتال ،وأمر بعزلهما عن منصبيهما . كما أمر بوضع عثمان باشا آل محمود كوال لشهرزور بدلا عن إبراهيم باشا . ووضع عبد القادر باشا بديلا عن عبد الفتاح باشا وهو ابن عم له . تعكس سياسات الاستبدال التي اتبعتها باشوية بغداد ضدّ الرافضين لقتال القبائل العراقية المنتفضة في الجنوب نوعا آخر من التمرّد على السلطة المركزية في بغداد ))).

وبعد أن تجمعت قوات الدولة العثمانية في بغداد ، قاد هذا الجيش الكبير والي بغداد بنفسه ادراكا منه لخطورة المعركة القادمة وأنه لو خسرها فسوف تكون الأخيرة للعثمانيين في العراق ، وتحرك هذا الجيش الضخم الى قبائل الخزاعل أولا ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((وهكذا فقد قدم عثمان باشا آل محمود إلى بغداد وعسكر فيها استعدادا لقتال أهل الوسط والجنوب من العراق وبعد أن جمع أكبر أعداد ممكنة من رجال القبائل الكرد و بالاستعانة بأخيه عبد الرحمن بك في تكوين قوة قبلية مهمة . قام سليمان باشا الكبير بقيادة الحشود العسكرية بنفسه، وكانت المهمة الأولى له هي ضرب الحلف القبلي للخزاعل في منطقة الفرات الأوسط تمهيدا لفتح الطريق أمام زحف قواته نحو الجنوب حيث المعقل الرئيس للأمير ثويني بن عبد الله السعدون))). وصل الجيش العثماني لمنطقة الخزاعل واندلعت بين الطرفين معركة كبيرة ، بذل فيها قبائل الخزاعل وشيوخهم كل طاقتهم الا ان استخدام المدافع من العثمانيين رجح كفة الجيش العثماني الذي انزل بهم هزيمة كبرى ، وانسحب بعدها شيخ الخزاعل ومعه بعض أتباعه الى مملكة المنتفق لدى حاكمها الأمير ثويني بن عبدالله وهم عازمين على قتال العثمانيين حتى الموت . يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عند حديثه عن والي بغداد سليمان باشا وسياساته , ص: 217((( ثم سار على رأس الجيش الجرار الذي جمعه من كل مكان في الوقت نفسه نحو الجنوب ودخل منطقة الخزاعل في أواخر صيف 1787 , فوجد حمدا متأهبا للنضال والقتال فيها . وقد أبدى مقاومة باسلة , بعد أن تحصن في قلاعه المعروفة بال (سيباية). لكن قواته لم تستطع الصمود طويلا تجاه أسلحة الجيش الحديثة فتشتت شملها وتراجع حمود مع قسم من أتباعه الى حليفيه في ديار المنتفك ))).

بعد انتصار الجيش العثماني على قبائل الخزاعل اتجه سليمان باشا الكبير بحشوده الكبيره الى البصرة لقتال صديقه القديم الأمير ثويني بن عبدالله الذي سمح له يوما بحكم البصرة (عام 1779م) والذي دعمه للحصول على ولاية بغداد ، حيث تتقاطع مصالح أمتين في المعركة القادمة وهم العرب ويقودهم الأمير ثويني بن عبدالله والمماليك الممثلين للعثمانيين ويقودهم سليمان باشا الكبير. وقد كان الأمير ثويني بن عبدالله يعسكر قرب البصرة بجيش مملكة المنتفق النظامي والمكون من 20 ألف مقاتل (عشرة آلاف من المشاة وعشرة آلاف من الخيالة) والمجهز بسلاح المدفعية . يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((وحينما بلغت الأخبار في التحشّد والسير على الأمير ثويني عمل على التهيئة لمواجهة باشا بغداد المملوكي ، ومقابلة الجيش القادم من بغداد. وكانت قوات ثويني قد بلغت حوالي عشرين ألف بين فارس وراجل . وتجمّع الجيش في منطقة تدعى نهر عمر على الفرات لمدة ثلاثة أيام ))). ولقد كان بالإمكان أن يكون تعداد جيش مملكة المنتفق ضعف هذا الرقم على أقل تقدير خصوصا وانه سبق للمنتفق ان واجهة الدولة العثمانية بـ 100 ألف مقاتل (نصفهم من القبائل الخاضعة لحكام مملكة المنتفق مباشرة) وذلك قبل 80 سنة ، الا ان هنالك سببين حالت دون ذلك:

1. انشقاق الأمير حمود بن ثامر ، وهو ماجعل الأمير ثويني يضطر الى القتال بجيشه النظامي والذي كان يعرفه ويضمن ولاؤه له لذلك لم يرغب بالمخاطره بإضافة قوات يتم جمعها بأسلوب النفير العام ويمكن أن تبدل ولاؤها منه والى الأمير حمود بن ثامر في حالة اشتداد المعركة.
2. أراد الأمير ثويني القتال بأسلوب الحرب النظامية وبإستخدام المدافع وليس اسلوب الكر والفر. لذلك يجب أن تكون الجنود في الميدان في معظمها تتكون ممن يجيد هذا النوع من القتال حتى لا يتحول الميدان الى فوضى.

وبالإضافة الى تميز معركة أم الحنطة في هدفها فهي تتميز أيضا بأنها كانت بين جيشين نظاميين أستخدموا فيها المدافع واصطفت بها الجنود بشكل منظم واستمرت لمدة أربعة أيام ، وذلك على عكس معارك الكر والفر التي كانت تتم بين القبائل والعثمانيين في الحملات التي كانت تجردها ولاية بغداد عليهم ، هذا بالإضافة الى أنها شهدت نزول حكام العراق الفعليين في تلك الفترة الى أرض القتال مباشرة ومشاركتهم فيه ( سليمان باشا والي بغداد وشمال العراق (حاكم نصف العراق الأعلى) ، والأمير ثويني بن عبدالله حاكم مملكة المنتفق التي تغطي نصف العراق الأسفل) وهذا يبين أهمية المعركة وكونها كانت فاصله تاريخا . يصف جيش حاكم مملكة المنتفق وإصطفافه بصفوف عديدة وإستخدامه للمدافع ( الأطواب) ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود, ص: 177 ((( ظهر عسكر ثويني بن عبدالله صفوفا عديدة ولكن لاناصر لمن خذله الله فاخذ يضرب الاطواب ويكر بالخيل العراب))).

و ما ان تكاملت القوات في ميدان القتال حتى اندلعت أهم معركة بتاريخ العراق في الحقبة العثمانية (معركة أم الحنطة) ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ((( وفي اليوم الرابع من غرة محرم عام 1202هج الموافق تشرين الأول من عام 1787 بدأت معركة كبيرة بين الطرفين))) ، يذكر الدكتور علي الوردي , في كتابه لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث , ج1 , ص:177 ((( في شهر آذار من عام 1787 توجه سليمان باشا على رأس جيش كبير نحو البصرة عن طريق الفرات . وفي 13 تشرين الأول وقعت المعركة الفاصلة بين الفريقين في موقع "أم الحنطة" قرب البصرة , وقد أستخدمت العشائر فيها المدافع وأبدى فيها سليمان باشا من الشجاعة والأقدام شيئا كثيرا اذ سل سيفه وأخذ يصول ويجول بين الصفوف ))). واشتبك الطرفين في مذبحة رهيبة كما وصفها البريطانيين الذي زاروا أرض المعركة ، يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عند حديثه عن أهمية المعركة حيث كان يترتب على نتيجتها بقاء أو فناء الوجود العثماني في كل العراق كله ،ص: 217 ((( فالتحم الجمعان في موقع يقال له (أم الحنطة) . وهناك وقعت معركة عنيفة اشترك فيها سليمان باشا بنفسه , ونزل الى الميدان منتضيا سيفه , فأخذ يقاتل قتال المستميت , لأن الموقعة كانت من المواقع الحاسمة التي يتقرر فيها مصير المماليك , ويحجز فيها بين بقاء حكومتهم وزوالها من الوجود نفس واحد لاغير. واستقتلت القوات العربية في النضال والطعان ، وهي تعرف انها كانت تقاتل من أجل شرف أمتها وعروبتها في عقر دارها))). استمرت المعركة أربعة أيام ثبت خلالها تفوق المدفعية العثمانية الأحدث على المدفعية الخاصة بمملكة المنتفق وتساقط الآلاف من أبناء قبائل المنتفق قتلى في أرض المعركة رافضين الإنسحاب من ميدان القتال الى ان شاهدوا حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله يسقط مصابا في ساحة المعركة ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 144((( وقد استمرت المعركة أربعة أيام ، قاتل فيها الطرفان بشدة وبتصميم عال أبدى كلاهما ضروبا من الشجاعة والاستبسال . لكن في ضحى اليوم الرابع ، بان النصر واضحا لقوات المماليك ... حيث كان الشيخ ثويني ، جريحا من أثر المعركة))). ووقتها بدأ الإنسحاب تحت تأثير الخسائر البشرية وتحت تأثير المدفعية العثمانية وتحت تأثير رؤية سقوط حاكمهم (الذي يبدو انهم اعتقدوا وقتها وفاته) وقد قام حرسه الخاص بنقله بخيولهم جريحا وبسرعة الى صحراء منطقة الجهراء (في دولة الكويت حاليا) وذلك لكون رأسه كان مطلوبا من الخليفة العثماني. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين أحتلالين , أهمية المعركة حيث كان يترتب على نتيجتها بقاء أو فناء الوجود العثماني في كل العراق كله , ج:6 , ص:121((( وفي هذه الأثناء هاجمتهم العشائر بعشرة آلاف من المشاة ومثلها من الخيالة. أما جيش الوزير فقد صد هجماتهم وأبدى دفاعا خارقا اذ لو خذل في هذه الحرب فلم يبق وزير ولاحكومة مماليك فكانت هذه الواقعة خطرا كبيرا عليه , فكان الهول فيها عظيما حتى تبين أن جيش الوزير هو الغالب وقتل من خيالة العرب نحو ثلاثة آلاف أو أكثر ومن المشاة ما لايحصى واستولت الجيوش على الغنائم وفر العرب , وحينئذ فرح الوزير وناله ما لامزيد عليه من السرور))).

خسرت مملكة المنتفق 3 آلاف فارس و أكثر من 3 آلاف من المشاة في هذه الملحمة وقد نقل حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله جريحا من أرض المعركة ووصل الى الجهراء قرب مدينة الكويت. وتتجنب المصادر العثمانية ذكر خسائر القوات العثمانية في هذه المعركة الكبيرة الا انه يمكن تقديرها بأنها نصف خسائر جيش مملكة المنتفق وذلك مقارنه بالخسائر العثمانية في المعركة التي تبعت معركة أم الحنطه في السنة التالية عندما نهض من جديد الأمير ثويني بن عبدالله محاولا الإستقلال بالعراق مره أخرى ومتحالفا مع الأكراد . ينقل ج.ج. لوريمر وصف المعركة عن الدكتور هاول , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج:4 , ص: 1886 ((( وقد فحص دكتور هاول بنفسه آثار معركة 25 أكتوبر وكتب عنها يقول (انها لابد كانت مذبحة رهيبة .. فالميدان كله مغطى بعظام الرجال والخيول).))). وننقل هنا وصف الرحالة الأجانب لساحة المعركة حيث استماتت قبائل مملكة المنتفق وحاكمها الأمير ثويني بن عبدالله في القتال في سبيل تحقيق إستقلال العراق بأكمله ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، وصف الرحالة الأجانب للمعركة وساحتها وكيف أنها كانت مذبحة أكثر من كونها معركة ، وذلك في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((ووصف اثنان من الرحالة الإنكليز المعركة التي جرت بين القوات الباشوية وقوات المنتفق وهما وليم فرنكلين E .W .Frankline وتوماس هاول Thomas Howel بأنه كانت مذبحة بين الطرفين اكثر من كونها معركة عسكرية حيث كانا قد تفقدا ساحة القتال بنفسيهما فوجدا بأن مساحة كبيرة من الأرض مغطاة بعظام البشر والخيول))). ويتحسر المؤرخ جعفر الخياط على خسارة عرب العراق بقيادة الأمير ثويني بن عبدالله لأول محاولة وملحمة لإستقلالهم بحكم العراق بأكمله تاريخيا وطرد العثمانييين منه ، والذين كانوا في تلك الفترة يسيطرون على شمال العراق وولاية بغداد بالأضافة الى تقاسمهم للسيطرة على ميناء العراق (مدينة البصرة) مع مملكة المنتفق ، وذلك في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، ص: 217 ((( وهكذا تم القضاء على ثورة عربية جريئة رائدة , وتبدد الحلم الذي كان يعد محاولة أولى من محاولات العرب في هذه البلاد للحصول على الحكم الذاتي في العصر الحديث , ابان التسلط العثماني التركي الذي استقام قرونا أربعة ))).

بعد المعركة قام سليمان باشا (والي بغداد) ببناء ثلاث منارات من روؤس أبناء قبائل المنتفق القتلى في المعركة كعلامة على انتصاره بعد أن كاد العثمانيون أن يخسروا العراق بأكمله ، ثم قام بفرض الأمير حمود بن ثامر كحاكم على مملكة المنتفق ، ثم اتجه جيش سليمان باشا الضخم الى مدينة البصرة والتي انسحب منها جيش مملكة المنتفق الذي ابقي فيها بقيادة الأمير حبيب بن عبدالله وذلك بعد وصول أنباء الخسارة الكبيرة واصابة الأمير ثويني بالمعركة ، وقام سليمان باشا بدخول البصرة وتولية مصطفى آغا الكردي (خازندار سليمان باشا في بغداد) متسلما على البصرة ، وجعل خلفه قوات من اللاوند ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , ص: 177 ((( فأمر الوزير عسكره بالكر ، وحذرهم سوء غب الغر ، وحرض الفرسان ، على المناهدة ، والمصابرة في المطاعنة والمجالدة ، فلما كر الفرسان ، وحمي وطيس الضرب والطعان ، لاحت على عسكر الوزير علامات النصر ، وادبر عسكر ثويني فكانوا عرضة للقتل والأسر ، وطار السالمون بالأرواح ، وضحكت للوزير ثغور الافراح ، وبنى من روؤس المنتفق ثلاث منارات ، وصيرها على نصره للناظر امارات ، وحكم على المنتفق حمود بن ثامر ، وعلى البصرة ولى مسلما من امن له السرائر مصطفى اغا الكردي ، وكان خازنداره ، ورجع بعد ذلك الى مقر الخلافة والوزارة ، وذلك بعدما نظم عقود اوامره وارجف الاعداء بقنابله ، وجعل في البصرة من جنده زمرة يقال لهم اللاوند كبيرهم اسماعيل))).

وقد كان أبرز ماقام به سليمان باشا في البصرة هو إلغاء المجلس الإستشاري الخاص بالحكم والمؤسس من قبل الأمير ثويني بن عبدالله وحليفيه وهو المجلس الذي شكل سابقه في تاريخ العراق سياسيا ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، ص:120 ((( وكان قبلا الشيخ ثويني وحمد الحمود شيخ الخزاعل وسليمان الشاوي قد أقاموا في البصرة مجلسا استشاريا يساعد على الحكم ولكن العثمانيين ألغوا هذا المجلس وباتوا يحكمون حكما استبداديا حتى فقدت المواد الضرورية من الأسواق وأخذ البعض يخزن المؤن والطعام لبيعه في السوق السوداء خوفا من المجاعه التي حدثت فعلا))). وبعد ذلك بدأ العثمانيون الإنتقام من أهالي البصرة لتأييدهم لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، ص:119 ((( وفرضت الغرامات على أهالي البصرة جمعت منهم بالاكراه والحبس والتعذيب حتى يقال ان بعض النسوة بعن حليهن ولوازم بيوتهن ليدفعن الغرامة وكان شاهد عيان قد روى ان امرأة أرادت أن تبيع طفلتها بمقدار (2) تومان لتدفع ماعليها من غرامة كما وان هناك من أغلق حانوته ليفر من الحكم الجائر. ثم ضاعف سليمان باشا رسوم الكمارك على المواد الضرورية وترك جيشا من – اللاوند – غير النظاميين الذين أخذوا يفتكون بالناس ويعتدون على الأعراض وفي منطقة جسر العبيد – الخليلية حاليا – حيث الرجال العرب الابطال وقعت معركة بين اللاوند وأهالي المنطقة وذلك عندما هاجم هؤلاء اللاوند بيوت المحلة ليلا للاعتداء على النساء وقد بقيت جثث اللاوند مطروحة في شوارع المحلة حيث لم تجرأ الحكومة على دخول المنطقة لحمل جثث موتاها))). ويمكن تلخيص أسباب خسارة معركة أم الحنطة بالأسباب التالية :
1. التأثير المعنوي الكبير بعد إعلان الدولة العثمانية إعترافها رسميا بالأمير حمود بن ثامر حاكما لمملكة المنتفق والذي كان قد انشق على عمه الأمير ثويني بن عبدالله ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد السادس , ص:121 ((( انعزل قبل مدة عن ثويني بن عبدالله (الشيخ حمود بن ثامر السعدون) والتجأ الى الوزير فكان العامل المهم في ربح الحرب فمنحه عندما انتصر مشيخة المنتفق))).
2. إستخدام الدولة العثمانية لأقصى قدرتها العسكرية وتفوق مدفعيتها الحديثة على مدفعية مملكة المنتفق. يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , عند حديثه عن أحد أسباب خسارة الحرب ،ص: 146((( عدم تكافؤ عدة وتسليح الطرفين ، والتي تميل لصالح الجيش المملوكي))).
3. التأثير المعنوي لعزل العثمانيين لشيوخ الخزاعل والعبيد المشاركين بالثورة والقيام بتعيين شيخين آخرين على الخزاعل والعبيد.
4. الإحباط المترتب على وصول الأخبار عن أن الخليفة كاد أن يعدم مفتي البصرة وهو ماجعل عرب العراق يدركون أن الطريق لما كانوا يسعون اليه لن يكون مفروشا بالورود.
5. الهزيمة الكبيرة التي تلقاها تحالف الخزاعل أولا وكان ينبغي أن يتم القتال مع العثمانيين في مكان واحد ولكن يبدو أن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وشيخ قبائل الخزاعل الشيخ حمد الحمود كانا مضطرين لهذا الشيء بسب وجود معارك سابقه بين الطرفين لم يرغبوا في أن تؤدي الى تفكيك الجيش في حال قتاله كوحدة واحدة .
6. الخطأ العسكري بتقسيم قوات مملكة المنتفق بين ميدان المعركة في أم الحنطة وبين مدينة البصرة التي ابقي فيها جيش بقيادة الأمير حبيب بن عبدالله أخو الأمير ثويني ولم يستفاد من هذا الجيش حيث انسحب بعد وصول أنباء الخسارة الكبيرة . وابقاء جيش بالبصرة يدل على عدم توقع حاكم مملكة المنتفق (الأمير ثويني) لخسارة المعركة .
7. عدم طلب حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله و حليفيه للدعم الخارجي وذلك حتى لا يتهموا بموالاة غير المسلمين، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , عند حديثه عن أحد أسباب خسارة الحرب ،ص: 145((( ان الثوار في مشروعهم ، لم يبحثوا – كما فعلت شعوب الامبراطورية العثمانية الأخرى – عن مظلة دولية للدعم والاسناد السياسي والعسكري ، أو لوضع الكوابح في عجلة الماكنة العسكرية المتجهة نحوهم . وكما أظن أنه حتى لو تطوعت قوة دولية كبرى آنذاك ، وفاوضت الثوار على دعمهم ، لرفضوا دعمها خشية أن يتهموا بمولاة الأجنبي – الكافر – على أبناء دينهم))).
8. تمسكهم بسياسة المعركة وتخليهم عن سياسة الحرب وذلك بعدم التحالف مع امارة بابان في شمال العراق). وهذه النقطة بالذات انتبه لها الأمير ثويني بن عبدالله بتحركه اللاحق ضد العثمانيين. يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , عند حديثه عن أحد أسباب خسارة الحرب ، ص: 146(((قصور نظر الثوار في اجراء تحالف مع امارة البابانيين في شمال العراق ، لغرض تشتيت الجهد والحشد العسكري المواجه لهم))).

أخيرا تعتبر معركة أم الحنطة ثاني أكبر معركة بين العرب والعثمانيين في العراق من حيث حجم الخسائر البشرية للعرب . حيث سبقها بـ بتسعه وسبعين عاما معركة أكبر منها حجما وخسائر الا أنها كانت معركة دفاعية عن البصرة عاصمة مملكة المنتفق في ذلك الحين وهي معركة الأمير الشريف مغامس بن مانع (العم المباشر لوالد الأمير ثويني بن عبدالله ) حينما واجه الدولة العثمانية بأكبر جيش يواجههم تاريخيا في العراق والجزيرة العربية وعدده 100 ألف مقاتل وكانت خسارتها 10 آلاف رجل من العرب ، وهذه المعركة وغيرها الكثير من المعارك تبرز نضال آل سعدون تاريخيا مع قبائلهم وعشائرهم حيث كانت مملكة المنتفق وقبائلها وعشائرها وحكامها آل سعدون الأشراف هم أبرز وأكثر من دافع وناضل المحتلين للعراق تاريخيا وخصوصا (العثمانيين والفرس والأنجليز) ، حيث كانت مملكة المنتفق وحكامها وقبائلها وعشائرها اللاعب الرئيسي في تاريخ العراق ومعظم أحداث العراق مما يخصها، ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) وعن عشائرها وقبائلها ، ص27 (((كانت بينها وحدة عظيمة يرجع الفضل فيها إلى أمراء المنتفق، ومواهب القدرة والجدارة فيهم بادية وغالب وقائع العراق مما يخصها))). ويذكر أيضا مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) ومحاولات الدولة العثمانية التي لاتحصى للقضاء عليها ، ص: 122 ((( وقائع المنتفق كثيرة ، والتدابير المتخذة للقضاء على الامارة لاتحصى))). يذكر د. طارق نافع الحمداني، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 176 ((( كان لقبائل المنتفق أهمية كبرى في شؤون العراق خلال العصور الحديثة ، بخاصة في مقارعة قوى الاحتلال والتسلط الأجنبي))). ويذكر نضال قبائل المنتفق أمام العثمانيين ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق ، ج 4، قسم امارة المنتفق، ص: 27 (((وحالة المنتفق المشهودة في مختلف ايام حياتها خير مثال تاريخي يعين الاوضاع والنفسيات في حب الاستقلال والنضال عنه ، والذب عن حريمه. والمهم أن المنتفق ناضلوا نضالا باهرا طوال العهد العثماني. ولو كانوا تسلحوا بالأسلحة الجديدة لحالوا دون آمال الدولة. بل أكسبتها الحوادث المتوالية خبرة ، والظروف القاسية تجربة فكم وال خذل، ورجع بالخيبة ،وكانت تعقد عليه الآمال. وتاريخ المنتفق صفحة كاشفة لسياسة العشائر في العراق، تجلت بأظهر أوضاعها. وفيها دراسة عميقة وافية لنفسيات هذه العشائر. ومابلغته))). يذكر نضال قبائل المنتفق في النصف الأول من القرن الثامن عشر ، المؤرخ العثماني الشيخ الأديب عبد الرحمن السويدي البغدادي (المولود عام 1721م)، في كتابه حديقة الزوراء في سيرة الوزراء (((فإن هؤلاء المنتفق، العرب مضرة، عجزت الولاة عن كسر شوكتهم وذلت الوزراء عن درء أذاهم))).

19- محاولة ثويني لإستقلال العراق مره أخرى والتحالف مع الأكراد:

إن شخصية ثويني العنيدة القوية والتي لايحدها طموح لم تكن لتقنع بالخسارة من أول مرة ، لذلك جرت مراسلات بين ثويني ومصطفى آغا الكردي (متسلم البصرة المعين من قبل والي بغداد) وهنا اكتسبت الثورة بعدا جديدا بإدخال الأمير ثويني بن عبدالله للأكراد في محاولته للإستقلال العراق بأكمله. يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، ص:407 (((وفي تلك السنة (1203) أيضاً شق عصا الطاعة متسلم البصرة (مصطفى آغا) المذكور. وأرسل إلى الشيخ ثويني بن عبد الله يذاكره في الأمر))). وبعد الأتفاق بين مصطفى آغا الكردي والأمير ثويني بن عبدالله قام مصطفى آغا بإرسال خطاب الى والي بغداد سليمان باشا يخبره فيه بقيام ثورة كبيرة في ديار المنتفق ضد فرض الأمير حمود بن ثامر من قبل سليمان باشا (وهو ما وقع فعلا , ولكن يبدو ان مصطفى قام بتضخيم الأمر لسليمان باشا حتى يتحقق له ماأراد) وأن الأمير ثويني قد رجع للحكم فعلا ، وهو ماجعله مضطرا للتصرف دون الرجوع الى ولاية بغداد ، حيث قام بسحب الإعتراف العثماني بحكم الأمير حمود بن ثامر (قبل أن تقوم قبائل المنتفق بطرده) وقام بإستدعاء الأمير ثويني بن عبدالله واعلن انه تم الإعتراف به كحاكم للمنتفق معترف به من قبل الدولة العثمانية ، وقد برر مصطفى اغا تصرفه هذا بأنه ايثارا للتعقل وخوفا من تأثير الثورة القبلية الكبيرة في بلاد المنتفق على العثمانيين بمدينة البصرة ، وأن ذلك يهدف أيضا الى اظهار ان عودة ثويني بن عبدالله للحكم كانت بإعتراف عثماني وليس بثورة من قبل قبائله وعشائره ، الا أن سليمان باشا احس بالمؤامره في خطاب مصطفى آغا وعلى الرغم من ذلك قام بإرسال مصادقه على قرار متسلم البصرة الذي اطمئن وظن أنه نجح في الخطوة الأولى فيما تم الاتفاق عليه مع حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، وهكذا تم ازاحة الأمير حمود بن ثامر (الموالي للدولة العثمانية تلك الفترة) عن الحكم ، وقد اتجه الأمير حمود الى بغداد وبقي بجانب سليمان باشا ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، ص: 407 (((فاطمأن خاطر المتسلم بتعيين ثويني (ظناً منه بأنه نجح في مكيدته) وظل يقوي مركزه لتتميم ما عزم عليه، وكاتب كل من وافقه العصيان إلى ضبط أموره وأيدها))) ، ثم راسل صديقه حاكم امارة بابان عثمان باشا (المعين من قبل والي بغداد) وطلب منه الانضمام الى اليه والى الأمير ثويني ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ،عند حديثه عن مصطفى الآغا الكردي ، ص: 327 ((( راسل متصرف بابان وأغراه على شق عصا الطاعة على الوزير واتفقا على ان يساعد احدهما الآخر ويكونان مستقلين كل شخص في جهته وكذلك وافقت عساكر اللاوند المقيمون في البصرة رأي المتسلم على العصيان لكونهم اكراد من جنسه))). وهنا يتضح أن الأتفاق بين الثلاث أطراف كان على أن يبقى مصطفى آغا حاكما بالبصرة ويبقى حاكم بابان حاكما في امارته ويصعد ثويني لحكم العراق من بغداد بالإضافة لحكمه لمملكة المنتفق وذلك بعد أن يتم طرد العثمانيين من العراق. وهذا يوضح قوة نفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله في العراق ، حيث ان عثمان (حاكم بابان) ومصطفى الكردي ( متسلم البصرة) كلهم تم تعينهم من قبل سليمان باشا بسبب تحرك ثويني الأخير ، ومع ذلك اتفقوا ضد سليمان باشا (والي بغداد) ومع الأمير ثويني بن عبدالله في هدفه لإستقلال العراق بمجرد وصولهم لمناصبهم ، وهذا يوضح بجلاء ان مصطفى الكردي (متسلم البصرة) كان يدعم فكرة الأمير ثويني بن عبدالله بطرد الأتراك من العراق وأن يحكم العراق من قبل القوى المحلية فيه ( وأكبرها العرب ثم الأكراد) لذلك كان يطمح ان يبقى واليا على مدينة البصرة فقط وان يبقى عثمان باشا الكردي واليا لولاية بابان (كردستان) بينما يصبح ثويني حاكما للعراق من مدينة بغداد بالإضافة لكونه حاكما لمملكة المنتفق ، لذلك قام بمراسلة ثويني بن عبدالله لدعمه فيما سعى اليه في السنة السابقه.


ولد الأشراف غير متواجد حالياً