عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-2012, 10:42 PM   #12
عضــو لامـــــي
 

الصورة الرمزية ولد الأشراف
 

تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 25
آخـر مواضيعي
 

افتراضي





23- ماقبل سقوط دولة بني خالد ومابعده من أحداث سياسيه وهجرات:

نذكر في هذا القسم بشكل موجز بعض أبرز الأحداث التي أثرت في الفترة التاريخية التالية والتي يغطيها الفصل التالي من البحث ، وسوف يكون التركيز الأكبر في هذا الفصل على الحدث الأهم والذي أثر في تاريخ المنطقة وهو سقوط دولة بني خالد ، وفي الفصل التالي سوف نتحدث على ماترتب على هذا الحدث.

أولا: شمر الجربا

شاركت بادية قبيلة شمر وقبيلة مطير في حملة حاكم الحجاز الشريف غالب على نجد عام 1205هـ ، وبعد عودته الى مكة اتفقت قبيلة مطير مع بادية شمر على مهاجمة بعض القرى في جبل شمر ، وقد قام أهل تلك القرى بمراسلة حاكم الدولة السعودية الأولى الإمام عبدالعزيز بن سعود ، يذكر مؤلف كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب (مؤلف مجهول) ، ص: 99 ((( ثم ان عرب الشريف ، الذين كانوا ملتجئين به من بداة نجد ، تفرقوا عنه راجعين الى أطراف نجد. فقحطان احتازوا الى تثليث ، وعتيبه الى برية مكة ، ، كركبه ومايليها . أما مطير فاحتازوا الى أرض شمر ، واتفقوا مع مطلق الجربى ، وبادية شمر جميعها ، التي في الجبل . وصار بينهم وبين أهل القرى التي في الجبل حرب . فأرسل أهل الجبل الى عبدالعزيز بن سعود أن هذا مطلق الجربى نكث والتجأت اليه مطير ، فهذا اليوم نحاربه))). وقد قام حاكم الدولة السعودية الأولى الامام عبدالعزيز بن سعود بإرسال ابنه سعود بجيش لمهاجمة شمر ومطير ، واستطاع الإمام سعود أن يهزم القبيلتين ، ولكن بينما هو في ميدان المعركة وصلته منهم رسل يدعونه للمنازلة ، لذلك ثبت لهم وحصلت معركة عنيفة (معركة العدوة) قتل بها الشيخ مسلط بن مطلق الجربا يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، أحداث سنة 1205هـ ، ج:1 ، ص: 176 ((( وفيها وقعة العدوة ، وذلك أن كثير من البوادي الذين ساروا مع الشريف ، انفردوا عندما رجع الى مكة وأكثرهم من قبائل مطير وقبائل شمر . ماغاب من هاتين القبيلتين الا القليل ورئيسهم يومئذ حصان ابليس وانحازوا إلى الماء المعروف بالعدوة وهو مزروع لشمر قرب حائل فنهض إليهم سعود واستنفر أهل نجد البادي والحاضر ، فسار بالجنود المنصورة والخيل العتاق المشهورة وقصدهم في تلك الناحية ، فنازلهم ووقع بينهم قتال شديد ، فأنهزمت تلك البوادي وقتل منهم قتلى كثيرة من فرسانهم منهم: مسعود الملقب حصان إبليس ، وسمرة المشهور رئيس العبيات ، وأبو هليبة من مطير، وعدد كثير غيرهم ، وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة من الابل والغنم والأثاث والأمتعة ، وأخذ جميع محلتهم ، وهذه الوقعة في أخر ذي الحجة ، فلما انهزم هؤلاء البوادي ، وأخذ المسلمون أموالهم استنفروا مايليهم من قبائلهم وغيرهم ممن لم يحضر الوقعة ، وأرسلوا الى سعود يدعونه للمنازلة ، وأنهم يريدون المسير عليه ، فثبت لهم واقبلوا أليه مقرنين الإبل ، وهو على العدوة يقسم الغنائم فساقوها على المسلمين فثبتوا لهم واوقدوا فيهم وفي ابلهم بالبارود والرصاص ، وكان مقدم البوادي مسلط بن مطلق الجرباء ، وكان قد نذر ان يجشم فرسه صيوان سعود ، فأراد أن يتم نذره وأرخى عنان فرسه ، فاختطفه المسلمون وضربه رجل بعود يشوى به القرص ، فطرحه عن جواده فقتل ، وانهزم تلك البوادي لايلوي أحد على أحد ، ولا والد على ماولد، وترجوا الابل مقرنة في الحبال ، وتبعهم المسلمون وأخذوا جميع أموالهم من الابل والغنم والأمتعه ، وقاموا في في أثرهم يومين يأخذون الأموال ويقتلون الرجال ، وحاز سعود جميع الغنائم ، الابل أحد عشر ألف بعير ، والغنم أكثر من مائة ألف ، وعزل الخمس وقسم باقيها في المسلمين للراجل سهم وللفارس سهمان))). بعد الخسارة الكبيرة في المعركة قرر الشيخ مطلق الجربا شيخ شمر الهجرة مع الكثير من بادية شمر الى العراق عام 1205هـ ، يذكر مؤلف كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب (مؤلف مجهول) ، ص: 100 ((( فجلا مطلق الجربى الى العراق منذ ذلك اليوم))). واستقر هنالك مؤقتا في منطقة السماوة حتى العام 1212هـ ، حيث هاجمهم الإمام سعود بن عبدالعزيز وهزمهم مع عدة قبائل كانت معهم قرب السماوة ، وقتل في هذه المعركة شيخ شمر مطلق الجربا ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، عند حديثه عن الإمام سعود بن عبدالعزيز، أحداث سنة 1212هـ ، ج:1 ، ص: 240 ((( ثم سار وقصد جهه السماوة فأتاه عيونه وأخبروه بعربان كثيره مجتمعين في الأبيض الماء المعروف قرب السماوه ، فوجه الرايات اليهم ونازلهم على مائهم ذلك ، وكانت تلك العربان كثيره من عربان شمر ، ورئيسهم مطلق بن محمد الجربا الفارس المشهور ومعه عدة من قبائل الظفير وعربان أل بعيج والزقاريط وغيرهم ، فدخل عليهم سعود في وادي الابيض المذكور ونازلهم ، فحصل بينهم قتال شديد وطراد خيل ، فساعة يهزمون بعض جنود المسلمين ، وساعة يهزمونهم وقتل من المسلمين عدة رجال في تلك المجاولات ، نحو خمسة عشر رجلا منهم : براك بن عبدالمحسن رئيس بني خالد ومحمد آل علي رئيس المهاشير ، ثم حمل عليهم المسلمون فدهموهم في منازلهم وبيوتهم ، فقتل عدة رجال من فرسان شمر وأل ظفير وغيرهم ، وكان مطلق الجربا على جواد سابق يطارد خيل المسلمين ، فعثر جواده في نعجه ، فأدركه خزيم بن لحيان رئيس السهول وفارسهم ، فقتله فأنهزمت تلك القبائل وغنم المسلمون أكثر محلتهم وابلهم وامتاعهم ))). وجدت قبيلة شمر نفسها مضطره بعد مقتل شيخها الى الهجرة الى ولاية بغداد وعبور النهر ، وهو الإجراء الذي تم بطلب من ولاية بغداد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن هجرة شمر الى الجزيرة ، ج1، ص:220 (((فانه كان تدبيرا حكوميا بالدرجة الأولى، كما يقول روسو عميل فرنسا في بغداد، في واحدة من ملاحظاته:"انفصلت شمر الجرباء قبل حوالي عام عن الوهابيين، هربا من ضرائبهم المجحفة، وخضعت لحكومة بغداد، التي اذنت لها بعبور الفرات، كي تضمن انصياعها التام لها، وتقلع عن استفزازالوهابييين"))).

ثانيا: بني خالد

بدأت الدولة السعودية الأولى ومنذ العام 1203هـ ، بالإنتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم وذلك في صراعها مع دولة بني خالد ، حيث أدركت الدولة السعودية الأولى ان سقوط دولة بني خالد أصبح مسألة وقت فقط ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 319 ((( وهكذا فلم يحل عام 1203هـ / 1789م حتى أدركت الدرعية أن سقوط الأحساء واخضاع بني خالد لم يعد الا مسألة وقت ، خصوصا بعد أن شعرت بتفوقها العسكري الواضح على المعارضين من بني خالد ، فشرعت ولأول مرة بمهاجمة بني خالد في عقر دارهم متخلية عن استراتيجيتها الدفاعية في صراعها معهم))). وتعرضت دولة بني خالد منذ عام 1203هـ الى هجمات عسكرية قوية تكبدت على أثرها خسائر مادية وبشرية كبيرة ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 171 ((( ثم ورد سعود بالمسلمين ماء (الوفرا) فلما رحل منها صادف في طريقه ركبا من آل سحبان – من بني خالد – كبيرهم ابن مغجل ، وكانوا نحو تسعين رجلا ، فقتلهم جميعا. وسار سعود بالمسلمين يريد (الأحساء) ، فوصل (المبرز) فنازل أهلها وتراموا من بعيد. ثم رأى أن يتركهم فانصرف عنهم وسار الى (الهفوف) ، ولكنه لم يتوقف عندها ، بل واصل سيره الى قرية (الفضول) – في شرقي الأحساء – فشد المسلمون على القرية ، فانهزم أهلها ولم يستطيعوا الفرار لأن المسلمين ملكوا عليهم جميع الطرق. فالتجأوا الى بيوتهم وتحصنوا فيها ، فدخل المسلمون عليهم تلك البيوت وقتلوهم قتل النعم ، وكانوا ثلاثمائة رجل قتلوا جميعا. وأخذ المسلمون جميع مافي القرية مماينقل من المال وأنواع السلاح والحيوان والأمتعة والطعام – وكان شيئا كثيرا))). وبدأت الكفة تميل لصالح الدولة السعودية الأولى في مقابل عجز حكام دولة بني خالد عن السيطرة على أراضيهم ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 322 ((( وهكذا أصبحت قوات الدرعية تنتقل في مناطق بني خالد دون معارضة من قوات دويحس وابن سرداح التي آثرت الابتعاد عن المواجهة ممادفع بلدان بني خالد الى التقوقع داخل الأسوار بخطة دفاعية محضة))).

وفي عام 1204هـ كان الأمير زيد بن عريعر ومعه بعض عشائره قد طلبوا المساعدة من الدولة السعودية الأولى ضد الأمير عبدالمحسن بن سرداح و الأمير دويحس بن عريعر ، ووقعت بين الطرفين معركة كبيرة ( معركة غريميل) ، وخسرت فيها قوات دولة بني خالد خسائر كبيرة ، وهرب الأمير عبدالمحسن بن سرداح ومن معه الى مملكة المنتفق ، وتولى حكم بني خالد الأمير زيد بن عريعر ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد, أحداث سنة 1204هـ ، ج:1 , ص: 169 ((( ثم دخلت السنة الرابعة بعد المائتين والألف وفيها سار سعود بجنوده المنصورة ، والخيل العتاق المشهورة واستلحق معه عربان الظفير ، وعربان العارض ومعه زيد بن عريعر وجلوية بني خالد ، وقصد بني خالد ورئيسهم يومئذ عبدالمحسن بن سرداح وابن أخيه ودويحس بن عريعر وهم نازلون عند غريميل المعروف عند الأحساء فعدى عليهم ونازلهم ووقع القتال بينهم ثلاثة أيام ، ثم انهزم بنو خالد واتباعهم فكر المسلمون في ساقتهم يقتلون ويغنمون وحاز سعود من الابل والغنم والأمتعة والأثاث مالايعد ولايحصى ، وقتل عليهم قتلى كثيرة ، وأخذ خمس الغنيمة ، وقسم باقيها في المسلمين للراجل سهم وللفارس سهمان ، وهرب عبدالمحسن ومن معه الى المنتفق وأكثر العربان قصدوا الأحساء وبايعوا سعودا على دين الله ورسوله والسمع والطاعة ، واستعمل سعود أميرا في بني خالد زيد بن عريعر واجتمعوا عليه))). وقد كان الامام سعود بن عبدالعزيز يرغب بالإستيلاء مباشرة على دولة بني خالد بعد المعركة ، الا ان قدر أنه في تلك الفترة لازال يحتاج الى الأمير زيد بن عريعر وقواته للسيطرة على الأحساء ، وعندها صرف النظر عن ذلك لمعارضة الأمير زيد بن عريعر لأي تحرك في هذا الاتجاه ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 324 ((( وماذكره ابن غنام من أن سعودا أراد الاستيلاء على الأحساء بعد ذلك مباشرة ولكن عدم تجاوب زيد معه واختلاقه للأعذار جعله يتراجع في النهاية ، يدل دلالة واضحة على أهمية وجود زيد وأتباعه من بني خالد عسكريا بالنسبة للدرعية اضافة الى أهمية انضمامه اليها ماديا ومعنويا وسياسيا. أدت معركة غريميل الى زيادة تسارع العد التنازلي للحكم الخالدي في المنطقة. ولولا مواجهة الدرعية لخصم جديد في الغرب وهو الشريف غالب ، لتمكنت من حسم الأمر نهائيا مع بني خالد كنتيجة لمعركة غريميل))). انشغلت الدولة السعودية الأولى عن دولة بني خالد حتى العام 1206هـ ، وذلك لإضطرارها التصدي لحملات حاكم الحجاز الشريف غالب ، ثم بعد ذلك هاجمت دولة بني خالد بحملة عسكرية قوية واحتلت عدة بلدات وحصلت على غنائم مادية كبيرة ، وكبدت دولة بني خالد خسائر بشرية كبيرة خصوصا في بلدة سيهات والتي قتل فيها ألف وخمسمائة رجل ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 179 ((( وفي سنة 1206سار سعود بالمسلمين الى (القطيف) يريد أن يطهر بلدانها من الأصنام والأوثان. فأحاط المسلمون ببلدة (سيهات) وحاصروها ، ثم تسوروها ، وقتلوا من وجدوا فيها – وكانوا نحو ألف وخمسمائة قتيل – واستولوا على جميع مافيها من الأموال التي لاتعد ولاتوصف. ثم قصد المسلمون (القديح) ، فدهموا أهلها ، واستولوا كذلك على مافيها من الأموال. فأصاب حينئذ الذعر بلدان القطيف ، فتهاوت أمام المسلمين ، فاستولوا على (العوامية) و (عنك) وغيرهما))).

وفي نفس السنة كان حاكم دولة بني خالد الأمير زيد بن عريعر وأخوانه قد أرسلوا للأمير عبدالمحسن بن سرداح يطلبون قدومه من مملكة المنتفق ويتعهدون له بالآمان ، ولما قدم اليهم قاموا بقتله ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، أحداث سنة 1206 هـ ، ج: 1 ، ص: 179 ((( وفيها قتل عبدالمحسن بن سرداح رئيس بني خالد بالقديم ، وذلك أن عبدالمحسن بعد وقعة غريميل المتقدمة هرب الى المنتفق ، وتولى في بني خالد زيد بن عريعر كما ذكرناه من قبل ، ثم ان زيد المذكور واخوانه أرسلوا الى عبدالمحسن وبذلوا له الصداقة والأمان، ووعدوه ومنوه ، حتى جاء اليهم واجتمع بهم فقتلوه في مجلسهم))). ونتيجة لذلك ثارت قبائل بني خالد وطردوا الأمير زيد بن عريعر وأخوانه وبايعوا الأمير براك بن عبدالمحسن السرداح ( ولد الأمير المقتول) ، وفي سنة 1207هـ ، هاجمت قوات الدولة السعودية الأولى قوات دولة بني خالد قرب الجهراء ، وانزلت بهم هزيمة كبرى (معركة الشيط) وكبدتهم خسارة أكثر من ألف مقاتل ، وفر حاكم دولة بني خالد الأمير براك بن عبدالمحسن وخيالته الى مملكة المنتفق ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، أحداث سنة 1207هـ ، ص: 180 ((( وسار سعود بالمسلمين يريد بني خالد ، فلما أقترب منهم وجد آثار الجيوش والخيل غازية ، ولم يكن يعلم بما أحدثه براك وجماعته . وذلك أن براك بن عبدالمحسن تولى رئاسة بني خالد والأحساء بعد مقتل أبيه عبدالمحسن بن سرداح رئيس بني خالد ، فنهض بهم غازيا وورد على ماء (اللصافة) وأغار على سبيع وأخذ منهم ابلا كثيرة. فلما علم بذلك سعود استشار من معه: هل يقتفي آثار براك وبني خالد ، أو يقصد أهلهم ومحالهم وليس عندهم من يحول دونهم ويدافع عنهم. فأشاروا عليه بأن يعمد الى أهلهم فيصبحهم ويعود منتصرا غانما. فأبى سعود عليهم ذلك ، ورأى أن الأولى ملاقاة هؤلاء الأشرار ومقاتلتهم. فسار حتى وصل ماء (اللصافة) وأقام يترصد بني خالد وينتظر عودتهم ، فلما بدت طلائعهم أسرعت اليهم بعض فرسان المسلمين يناوشونهم القتال ، فظنهم بنو خالد بعض الأعراب الغازين ، فطمعوا فيهم ووثقوا من النصر ، فلما تلاحم الفريقان ، هجم عليهم جيش المسلمين ، فلم يلبث أهل الضلال أن انهزموا وجد كل منهم يطلب النجاة لنفسه. فتبعهم المسلمون وأخذوا يقتلون فيهم قتلا ذريعا ، حتى قتلوا منهم ستمائة في يوم واحد غير من قتلوه وهم يقتفون أثرهم ، وأخذوا مامعهم من الخيل والأبل: وكانت الخيل مائتين مختلفة النوع واللون ... وتسمى الوقعة التي جرت بين سعود وبني خالد وقعة (الشيط) وهو موضع شرقي ماء اللصافة))). ويذكر سبب الخسارة الكبيرة عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 328 ((( كانت محصلتها هزيمة بني خالد وفرار براك مع بعض خيالته الى قبائل المنتفق بعد وقت قصير من القتال الشرس. وترجع تلك الهزيمة القاسية وبتلك السرعة غير المتوقعه الى فقدان قوات براك لعنصري المفاجأة والتفوق العددي اللذين مكنا الدرعية من الامساك بزمام المبادرة وفرض موقع وطريقة القتال مماأدى الى احباط معنويات القوات الخالدية عند مواجهتها للأمر الواقع لاسيما أنها عائدة في شدة الصيف من غاراتها الخاطفة وقد أنهكها العطش والاعياء ولم تمكنها قوات الدرعية من الوصول الى الماء ... وقدرت خسائر بني خالد بألف مقاتل ومائتين من الخيل ، ثم يعلق ابن بشر على نتيجة تلك المعركه بقوله ( ولم تقم لبني خالد بعدها قائمة ) ، وهناك من قدرها بألفي مقاتل))).

وكنتيجة للمعركة قام سكان الأحساء بمبايعة الإمام سعود بن عبدالعزيز والذي ترك لديهم مجموعة من الدعاة والعلماء ، الا ان أهل الأحساء وبمجرد ما غادرتهم قوات الدولة السعودية الأولى قاموا بقتل من تركهم الإمام سعود بن عبدالعزيز وكان عدد المقتولين 30 رجل من بينهم الأمير محمد الحملي المنصب من قبل الدولة السعودية أميرا على الأحساء ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، أحداث سنة 1207هـ ، ص: 183 ((( ثم ارتحل سعود بالمسلمين من (الأحساء) وقصد قرية (نطاع) ماء في (الطف) وأقام فيها نحو شهر. فأتته الأخبار أن أهل (الأحساء) نقضوا العهد ، وارتدوا عن الدين ، وقتلوا المسلمين الذين أقامهم سعود عندهم دعاة وهداة ومعلمين))). الا ان الامام سعود قرر التريث في مهاجمة الأحساء الى وقت لاحق.

وقد كان الأمير زيد بن عريعر وأخوانه مقيمين قرب الكويت في تلك الفترة وما ان وصلهم خبر ماحصل بالأحساء ومقتل الأمير المعين من قبل الدولة السعودية الأولى حتى اتجهوا اليها واستعادوا حكمهم ، وفي عام 1208هـ اتجهت قوات الدولة السعودية الأولى الى الأحساء وبعد معارك متعددة استطاعت اسقاط دولة بني خالد بشكل نهائي ، ولكن الإمام سعود بن عبدالعزيز قام بتنصيب الأمير براك بن عبدالمحسن كحاكم على الأحساء اسميا ويبدو انه كان يهدف من هذه الخطوة الى ابعاد التدخل العثماني لكون دولة بني خالد دولة حليفه للعثمانيين لذلك لم يرغب الإمام سعود بإبعاد آل حميد عن الحكم بشكل نهائي ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد , أحداث سنة 1208هـ ، ج:1 , ص: 204 ((( وفيها سار سعود رحمه الله بالجموع المنصورة من جميع نواحي نجد وعربانها وقصد الأحساء ، وكان أهل الأحساء بعد نقضهم العهد أتى اليهم زيد بن عريعر واستولى عليهم واستوطن البلد هو واخوانه وذووه ، فأقبل اليهم سعود بجنود المسلمين وفرسانهم ومعهم براك بن عبدالمحسن بن سرداح آل حميد مهاجر، ونزل سعود بالمسلمين على قرية الشقيق المعروفة في الأحساء ، فحاصرها يومين وأخذها عنوه واستولى عليها ، وهرب أهلها وقتل منهم عدة رجال ، ثم أجتمع أهل القرى شمال الأحساء في قرية القرين (بضم القاف) فسار اليها سعود فنزلها وحاصرها أشد الحصار وحاصر أهل بلد المطيرفي المعروفة ، فصالحوه على نصف أموالهم ، وسار سعود بتلك الجنود الى المبرز ، فخرج عليهم زيد بن عريعر بما عنده من الخيل ، فحصل بينهم قتال ... وانهزم زيد ومن معه الى البلد. ثم بعد أيام سارت الجموع الى المبرز ، فكمنوا لهم ، فجرت وقعة المحيرس قتل فيها من أهل المبرز مقتلة عظيمة ، قيل ان القتلى ينيفون عن المائة رجل ، وسارت الجنود الى بلاد ابن بطال ، فوقع فيها قتال فأنهزم أهلها وقتل منهم عدد كثير ، وأخذ سعود مافيها من الأمتعة والطعام والحيوان والأموال ، ثم ساروا الى بلدان الشرق فحصل فيها قتال وجلاد وارتجف أهل الشرق ، هذا وجميع البوادي الذين مع سعود وغيرهم يدمرون في الاحساء ويصرمون النخيل ويأخذون من التمر ويبيعونه أحمالا ، ويأكلون ويطعمون رواحلهم من الحاضر والبادي واكتالوا جميع البوادي من الأحساء نهبا ، وأوقروا رواحلهم ، وأقاموا على ذلك أياما ، ثم أن براك بن عبدالمحسن أتى الى سعود وقال ان أهل الأحساء يريدون المبايعة والدخول في الاسلام ، ولكن لايقدرون على الجلوس بين يديك خوفا وفرقا وهيبة ... وقال: اذا رحلت عنهم أخرجوا عنهم زيد بن عريعر وأتباعه ، ووفدوا عليك وبايعوك ، فرحل سعود قافلا الى الدرعية ... وركب براك الى أهل الأحساء ، فلما وصل اليهم نابذوه ونقضوا مابينهم وبينه ، وقاتلوه واستمروا على أمرهم ، فأرسل اليه فريق السياسب وأدخلوه المبرز ، وكان أولاد عريعر في الجفر والجشة البلد المعروفة ، فحصل بينهم وبين السياسب وأتباعهم قتال شديد ، فهرب أولاد عريعر من الأحساء وقصدو البصرة والزبير وسكنوا فيه ، واستولى على الأحساء أميرا من جهة عبدالعزيز ، براك بن عبدالمحسن وبايعوه على السمع والطاعة))). يذكر سقوط دولة بني خالد ، المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد , ج:1 , ص: 206 ((( وبزوال ولاية زيد عن الأحساء , زالت ولاية آل حميد المستقلة لهم في الأحساء والقطيف ونواحيهما , لأن ولاية براك هذه كانت لعبدالعزيز بن محمد بن سعود ))).

ثالثا: الظفير

كانت قبيلة الظفير الكريمة أحد أبرز القبائل في نجد قبل قيام الدولة السعودية الأولى ، وعندما بدأت الدولة السعودية الأولى بالتوسع اصطدم الطرفين في عدة معارك كان حصيلتها النهائية هجرة قبيلة الظفير الى العراق ، وفي عام 1209هـ تلقت الظفير هزيمة كبيرة على يد قوات الدولة السعودية الأولى ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، ص: 210 ((( ثم دخلت السنة التاسعة بعد المائتين والألف . وفيها سار سعود بالجنود المنصورة والخيل العتاق المشهورة من نواحي نجد وعربانها وقصد جهة الشمال فأغار على عربان كثيرة مجتمعة من آل ظفير وغيرهم وهم بالحجرة الأرض المعروفة ، فهزمهم وقتل منهم رجالا كثيرة وأخذ منهم ألفا وخمسمائة بعير وجميع أغنامهم ومحلتهم وأثاثهم ، وذلك في شعبان ثم قفل راجعا بعدما قسم الغنائم))). هذه الهزيمة اضطرت قبيلة الظفير الى الهرب الى مملكة المنتفق والتي وفر حكامها لقبيلة الظفير الحماية وبتنسيق مع ولاية بغداد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج: 3 , ص: 93 ((( هاجمهم ولي العهد سعود في سنة (1795م) شمال لينة وكبدهم خسائر فادحة . اضطر الضفير بعد ذلك للهرب باتجاه الفرات الى المنتفق, الذين وفروا لهم الحماية بالاتفاق مع باشا بغداد ))). ومنذ تلك الفترة بدأت قبيلة الظفير تظهر في كتب التاريخ كقبيلة حليفه لمملكة المنتفق ولقبائل اتحاد المنتفق ولحكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف ، والذين شجعوا قبيلة الظفير على الهجرة الى العراق . يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس الغزاوي ، في كتابه عشائر العراق، قسم الظفير، نقلا عن المؤرخ العثماني الشهير سليمان فائق والذي عمل في بغداد وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر (((وقال المؤرخ الشهير سليمان فائق ابن الحاج طالب كهية في تاريخ المماليك عن هذه القبيلة بعد ورودها العراق ما نصه: "هذه القبيلة من القبائل النجدية العظمى، أرادت ألا تنقاد الى آل سعود بأداء الزكاة عن أنعامها، وألا يسيطر عليها أحد فيما ترتكبه من الجرائر والمفاسد ففروا من سلطة الوهابيين وجاءوا الى الخطة العراقية... وقد شوقهم على المجيء أمراء المنتفق كسائر من تمكنوا من جلبه لجانبهم بقصد التقليل من سورة الوهابيين وتقوية جهتهم واعزازها بأمثال هؤلاء مبدين لولاة بغداد صلاح ذلك وأنهم قاموا بخدمة مهمة في تزييد قوتهم ومكنتهم واعتزاز عشائرهم...أظهروا ذلك وحسنوه للوزراء والحال ان هؤلاء انما رحبوا بهم وقبلوا دخالتهم لأغراض أخرى غير هذه وذلك أنهم أضمروا أيضاً أن يستخدموهم على حكومة بغداد فأمنوا صولة الوهابيين في الظاهر وعادية الوزراء في الباطن إلا أن الوزراء لم يطلعوا على هذه الجهة فعدوا ذلك منهم مفخرة، وخدمة جلى))). ويبدو أن سليمان فائق يرى أن تحركات الظفير اللاحقه داخل ولاية بغداد كانت بتأييد ودعم من حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف.

يذكر قبيلة الظفير وعلاقتها بحكام مملكة المنتفق في أخر النصف الأول من القرن التاسع عشر .. خورشيد باشا في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية واستمر اعداده 4 سنوات وذلك خلال اشتراكه بلجنة الحدود العثمانية الفارسية مابين 1848م – 1852م و قد أصبح واليا لأنقرة لاحقا - ، كتاب ولاية البصرة – من كتاب ( سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 62 ((( يمكن لعشيرة الظفير من تجهيز ثلاثة الاف مقاتل ، تتجول صيفا في مناطق مراعي الشامية ... اما في الشتاء فيرعون في مناطق رعي قبائل المنتفق ... ولم يحدث في حالة من الحالات أن سرق ابناؤها شيئا من سكان القرى والعشائر ، وهم ليست لديهم مساكن دائمية ... تتجول هذه القبيلة في اماكن متعددة وتنتقل من مكان الى آخر ، ولكي تتخلص من المضايقات التي تحيط بها من ظلم القبائل القوية وخصوصا قبائل المنتفق اضطرت الى الاتفاق مع زعامة المنتفق وبموجب هذا الاتفاق يمنحها شيخ المنتفق سنويا كمية من الحبوب والتمور والخلع والملابس مقابل اعترافها بنفوذه وتساعده في المهمات حيث يستدعيها لمساعدته عند الحاجة ويساعدها ضد عدوهم المشترك))).

24- عودة ثويني للحكم وإستعادته للأحساء عسكريا - الحملة العثمانية الأولى داخل الجزيرة العربية:

قبل الحديث عن فترة عودة ثويني للحكم ينبغي الحديث عن الأسباب التي أدت الى اجبار الدولة العثمانية على اعادته للحكم على الرغم من خطورة هذه الخطوة عليها ، ويمكن اجمال هذه الأسباب والتي ذكر بعضها في الفصل السابق ، الآثار المترتبه على هجرة قبيلة شمر الجربا الى العراق بعد خسارتها الكبيرة أمام قوات الدولة السعودية الأولى عام 1205هـ ، الآثار المترتبه على هجرة قبيلة الظفير الى العراق طالبة الحماية بعد خسارتها الثقيلة أمام الدول السعودية الأولى عام 1209هـ ، والسبب الرئيسي وهو الهجمات العسكرية القوية على دولة بني خالد ثم الحدث الأهم وهو إسقاط الدولة السعودية الأولى لدولة بني خالد الحليفة للعثمانيين ، وإستنجاد حكامها (آل عريعر) ووجهاؤها وعلماؤها (وأبرزهم عالم الأحساء الكبير محمد بن فيروز التميمي ، وهو واحد من العلماء المعدودين الذي كانوا يستطيعون مخاطبة الخليفة العثماني مباشرة) بالدولة العثمانية ، والتي شكلت عوامل ضغط على والي بغداد أمام الخليفة العثماني ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج: 1 ، ص: 218 ((( وسعى في ذلك كثير من أهل نجد في الزبير والبحرين والكويت وغيرهم ، وكاتبوا باشا بغداد وحرضوه وزينوا له ذلك ، وكاتبه كثير من الرؤساء والعلماء سيما محمد بن فيروز ، فانه الذي يحكم ذلك ويبذل جهده ، وذكروا لباشا بغداد أنه لاينجع في هذا الأمر الخطير والخطب الكبير الا ثويني ، وكتبوا له كثيرا من الكذب والزور والبهتان في المسلمين))). وقد كان سليمان باشا غير متحمس لإتخاذ خطوة في هذا الإتجاه منذ سقوط دولة بني خالد 1208هـ خصوصا وان أحد أبناء آل حميد كان يحكم الأحساء اسميا ، الا انه في عام 1211هـ حصل هجوم على الأحساء من قبل الدولة السعودية الأولى بعد أن عمت الأحساء ثورة كبيرة هناك ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , عند حديثه عن آل عريعر ، ج:3 , ص: 202 ((( ويبدو أنهم لم يشاركوا في تمرد الأحساء الذي أبقى على براك والوهابيين من آذار حتى حزيران 1796م في حالة استنفار، وانتهى باخضاع القطيف والعقير .ومرة أخرى لاح لعريعر الأمل , فمنذ زمن طويل كان المهاجرون الموجودون في البحرين والكويت والزبير والبصرة يطالبون سليمان باشا في بغداد باحتلال الأحساء واقترحوا عليه تسليم شيخ المنتفق ثويني قيادة الحملة))). يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي ، في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 336 ((( ويبدو أن لتلك الحملة علاقة بحملة سعود على الأحساء سنة 1210هـ / 1796م والمعروفة باسم الرقيقة والتي وقعت نتيجة لتمرد الأحساء المتكرر ولتقاعس براك وتنصله عن قمعه))). ويذكر سبب هذا التمرد ، المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، أحداث سنة 1210هـ ، ج: 1 ، ص: 214 ((( وفي هذه السنة تمالأ صالح بن النجار وعلي بن سلطان ، وسلطان الجبيلي ورجال من رؤساء الأحساء ، فأجمعوا على نقض عهد الامام عبدالعزيز ومحاربة المسلمين وتبين أمرهم وأظهروه))). لذلك قامت الدولة السعودية الأولى بالتعامل بكل حزم وقوة مع المتمردين من رجال الأحساء ، ونقلت أيضا عددا من كبار رجال الأحساء ومن علمائها وقضاتها الى الدرعية ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، حوادث سنة 1211هـ ، ج:1 ، ص: 216 ((( وصار سعود في موضعه ذلك أياما حتى اجتمع عليه المسلمون البادية والحاضره ، فسار بالجيوش المنصورة والخيل والعتاق المشهورة ، وقصد ناحية الأحساء . فلما وصل اليه نزل قرب الرقيقة وهي مزارع معروفة لأهل الأحساء وبات تلك الليلة وأمر مناديه ينادي في المسلمين أن يوقد كل رجل نارا وأن يثوروا البنادق عند طلوع الشمس. فلما أصبح الصباح رحل سعود بعد صلاة الصباح . فلما كان قبل طلوع الشمس ثور المسلمون بنادقهم دفعة واحدة فارجفت الأرض وأظلمت السماء وثار عج الدخان في الجو وأسقط كثير من الحوامل في الأحساء . ثم نزل سعود في الرقيقة المذكورة فسلم له وظهر عليه جميع أهل الاحساء على احسانه واساءته وأمرهم بالخروج فخرجوا ، فأقام في ذلك المنزل مدة أشهر يقتل من أراد قتله ويجلي من أراد جلاءه ويحبس من أراد حبسه ويأخذ من الأموال ويهدم من المحال ويبني ثغورا ويهدم دورا ، وضرب عليهم ألوفا من الدراهم وقبضها منهم وذلك لأجل ماتكرر منهم من نقض العهد ومنابذة المسلمين وجرهم الأعداء عليهم ، وأكثر سعود فيهم القتل فكان مع ناجم بن دهينيم عدة من الرجال يتخطفون في الأسواق لأهل الفسوق ، ونقاض العهود وكان اكثر القتل ذلك اليوم التلنقية والسوادية المجتمعين على الفسوق ، اللذني كان فعلهم بهواهم كلما أرادوه فعلوه ، ولا يتجاسر أحد أن يأمرهم وينهاهم ، فكثر لذلك تعديهم واعتداءهم فهذا مقتول في البلد ، وهذا يخرجونه الى الخيام ، ويضرب عنقه عند خيمة سعود حتى أفناهم الا قليل ، وحاز سعود من الأموال في تلك الغزوة مالايعد ولايحصى ، فلما أراد سعود الرحيل من الأحساء أمسك عدة رجال من رؤساء أهله منهم علي بن حمد آل عمران ومبارك ومحمد العدساني القضاة ورجال كثير غيرهم ، وظهر بهم معه الى الدرعية ، وأسكنهم فيها واستعمل في الأحساء أميرا ناجم المذكور وهو رجل من عامتهم. وسميت هذه الوقعة وقعة الرقيقة))). وقد كان أبرز الاجراءات التي اتخذتها الدولة السعودية الأولى في الأحساء بعد هذا التمرد هي الغاء حكم آل عريعر وأبناء عمهم آل حميد بشكل كامل ونهائي ، حيث انها بعد عام 1208هـ عندما اسقطت حكمهم المستقل ابقت أحدهم (الأمير براك بن عبدالمحسن) كحاكم اسمي تابع لها ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي ، في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 339 ((( اذ يرد تولي ناجم بن دهينيم بعد براك بن عبدالمحسن أثر الرقيقة ثم بعده سليمان بن ماجد حتى سنة 1219هـ / 1804م حيث عزل وعين بدلا منه ابراهيم بن عفيصان على امارة الأحساء وذلك في عهد سعود))). وكانت هذه الإجراءات قد أغضبت الأمير ثويني بن عبدالله في بغداد والذي طلب تجهيز حملة يقودها لإستعادة حكم آل عريعر لدولتهم في الأحساء ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 204 ((( عند حلول سنة احدى عشرة ومائيتين والف كان رئيس الوهابيين عبدالعزيز قد هجم على الاحساء بكل مامعه من قوات واحتلها عنوة، بعد ان قتل من أهلها أكثر من مائتي شخص، ثم الحق بها القطيف وعجيرة وماجاورهما واقتطعهما لاتباعه وعشائره. وكانت هذه الحركة قد ازعجت الشيخ ثويني واغضبته، فاستأذن للخروج واسترداد هذه المرفأ من أيدي الوهابيين. وقد وافقت الحكومة على ذلك واوعزت الى متسلم البصرة ان يسنده بما عنده من العساكر النظامية ومن الرماة البلوج والمدفعية، وكذلك أرسلت له أحد أغوات بيروت المسمى أحمد آغا حجازي زاده لمعاونته))). وقد وجد سليمان باشا نفسه مجبرا على إعادة الأمير ثويني بن عبدالله للحكم وذلك لتحرج موقف العثمانيين أمام هجمات الدولة السعودية الأولى على الأحساء والتي أصبحت تصل شمال الأحساء وجنوب البصرة ، يذكر المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م، في كتابه الأعلام وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات، وذلك عند حديثه سبب اعادة العثمانيين لحاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ثويني بن عبدالله الى حكمه ، المجلد الثاني ، ص: 102 (((وتحرج موقف الترك (العثمانيين) أمام غزاة نجد، فأعاده سليمان باشا (والي بغداد) إلى منصبه في المنتفق، وانتدبه لقتالهم))).


ولد الأشراف غير متواجد حالياً