ثالثا- محمد بن مانع:
بعد وفاة الأمير الشريف مغامس بن مانع آل شبيب خلفه في حكم مملكة المنتفق أخوه الأمير الشريف محمد بن مانع آل شبيب (الجد المباشر للأمير ثويني بن عبدالله بن محمد آل شبيب ووالد الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت باسمه الأسرة لاحقا)، و من أهم الأمور التي تحسب للأمير محمد بن مانع اتباعه لسياسة تشجيع الهجرة للقبائل العربية من شبه الجزيرة العربية والى مملكة المنتفق وهذه السياسة كانت تهدف الى المحافظة على عروبة العراق في وجه العثمانيين والفرس الذين كانوا يسعون الى تغيير هوية العراق العربية في تلك الفترة وقد شكلت هذه القبائل المهاجرة مع قبائل مملكة المنتفق الأخرى درعا قويا تكسرت عليه الكثير من الحملات العسكرية العثمانية والفارسية ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 92((( وقد بدأت هذه السياسة منذ الأيام الأولى لامارة – محمد المانع – حيث سعوا لجذب أغلب عشائر نجد العربية نحو العراق، بعد أن تيقنوا مايتعرض له العراق من ضغوط ومن جهتين (العثمانيون والفرس) ، الأمر الذي لايمكن مقارعته والحفاظ على عروبة العراق دون الاكثار من القبائل العربية النسب والأصل ... ولابد ان نضيف أن بادية المنتفق مفتوحة، لذلك كانت أقرب الديار للهجرات الواسعة للقبائل من شبه الجزيرة العربية، لأسباب سياسية أم أقتصادية أم اجتماعية، وعليه نجد صلة القرابة بين قبائل نجد والمنتفق واسعة، لأن أغلب عشائر المنتفق قبائل نجدية أو حجازية. كما أن الجدب والركود الاقتصادي والحياة القاسية سمات طبعت حياة قبائل نجد، يقابلها على أرض العراق، وفرة مائية وأرض زراعية خصبة ومنتوجات تكفل للحياة البشرية ديمومتها ... ان حسن الاستقبال الذي مارسته امارة المنتفق مع القبائل النازحة اليها، واقطاعهم الأراضي الزراعية ومراعي الماشية، قد وازن المعادلة التي كانت المنتفق تخشاها، بازدياد حجم اعدائها من غير العرب ... ومن يدقق في العشائر التي استطاعت امارة المنتفق أن تجعلها تنصهر وتتفاعل في بوتقة اتحادها، تعزيزا لنهجها العربي الساعي للكرامة والاستقلال، لامتلك بين يديه قائمة طويلة بأسماء هذه العشائر، ولاتضح لديه مدى الجهد الذي بذل في تعزيز نفوذ هذه الامارة العربية، والذي لم تبخل فيه عشائرها في تقديم أغلى المهور من أجل طموحها وكرامتها، مما أبقى هذه الامارة لأكثر من (350) عاما، تناطح جميع من أراد ايذاءها، وفي المقدمة منهم (العثمانيون) والذين لم يبذلوا من جهد في كل محاولاتهم وجهودهم لاسقاط الامارات المستقلة، مثلما بذلوه مع امارة المنتفق))). يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون ( الصادر عام 1929م ) ، وذلك عند حديثه عن المخلفات الثمينة لفترة حكم آل سعدون ، ص: 29 ((( العروبة بكل مظاهرها حتى انك اذا الغت العراق تجد الكردية غالبة على الموصل والتركية بادية في بغداد والفارسية متمكنة من النجف وكربلاء ولكنك تجد البصرة وبلاد المنتفق عربية بكل مظاهر العربية الصالحة وذلك بسبب تلك الامارة العربية التي تغلبت على كل المظاهر الغير عربية وصبغتها بصبغة العروبة))).
وقد استمرت أسرة السعدون الأشراف (آل شبيب سابقا) في دعم هذه السياسة حتى سقوط مملكة المنتفق في الحرب العالمية الأولى، ومن أبرز حكام مملكة المنتفق في دعم هذه السياسة حفيد الأمير محمد بن مانع آل شبيب، الأمير ثويني بن عبدالله بن محمد آل شبيب (الذي يدور حوله محور هذا البحث) ، يشير عبد الكريم محمد علي في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ إلى هذا الجانب وذلك عند حديثه عن التطورات السياسية والأجتماعية التي حدثت في عموم جنوب العراق وفي مرحلة تأسيس الأمير ثويني بن عبدالله لعاصمة مملكة المنتفق سوق الشيوخ وتشجيعه للهجرة الى المنطقة المحيطه بها وهي السياسة التي تابعه بها حكام مملكة المنتفق الذين حكموا بعده، ص: 26 (((حدوث هجرات متتالية، من القبائل العربية من نجد ومن عموم الجزيرة العربية إلى هذه المنطقة الوافرة المياه، والترحيب بهم من قبل شيوخ المنتفك (آل سـعدون) واحلالهم بما يليق بكرامة العربي، واقطاعهم الاراضي على ضفتي الفرات، للزراعة الموسمية والبستنه، ومن بينهم من كان يحسن زراعة النخيل، ممن جاء من جنوب الجزيرة العربية – من الأحساء والقطيف – وهكذا نشأت بساتين النخيل على الضفتين وازدهرت الزراعة))). ولم تقتصر هذه السياسة على تشجعي الهجرة للقبائل الرحل (البدوية) أو القبائل والعشائر التي تمارس الزراعة بل شملت سكان المدن وتتضح آثار هذه السياسة في عهد الأمير ثويني بن عبدالله وذلك بتواجد معظم المهاجرين الى العراق من حواضر نجد في المناطق التابعة لمملكة المنتفق ( اما في العاصمة مدينة سوق الشيوخ أو بلدة الزبير) يذكر أهل نجد المقيمون في العراق في فترة حكم الأمير ثويني بن عبدالله ، المؤرخ والشاعر خالد الفرج المعاصر للملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) ، وذلك عند حديثه عن سليمان باشا والي بغداد (في القرن الثامن عشر) وعن المساعدة التي قدمها له حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، ويذكر المؤرخ بعض القبائل والحواضر التابعه للأمير ثويني بن عبدالله وهم عرب المنتفق وشمر العراق وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ، كتاب الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 203 ((( وساعده على ذلك عرب المنتفق وشمر العراق ، وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ومتولي كبرهم ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع الشبيبي ، وهو هاشمي النسب ، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات الى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق ، وكادت تستقل بحكمه))). وفي عام 1850م كان معظم سكان عاصمة مملكة المنتفق (مدينة سوق الشيوخ) من المهاجرين من القصيم أو نجد ، كما أن معظم سكان عاصمة مملكة المنتفق منذ عام 1892م (مدينة الخميسية) كانوا من أهل نجد ، يذكر مدن مملكة المنتفق مبتدئا بمدينة سوق الشيوخ ثم الخميسية ثم المدن الأخرى ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج: 3 ، قسم المنتفق، ص: 610 ((( وفي عام 1850م كان معظم سكانها يتألفون من مهاجرين جاؤوا من شبه الجزيرة العربية (قصمان ، ونجادة). أما الخميسية الواقعة جنوب سوق الشيوخ فقد نشأت في حوالي عام 1886م ويتألف معظم سكانها من النجديين أيضا))).
نعود للأحداث في حياة الأمير محمد بن مانع آل شبيب ، ففي عهده شاركت قوات من المنتفق في حصار الأحساء مع أحد أمراء دولة بني خالد (الأمير دجين بن سعدون) والذي خرج على ولد عمه ( الأمير علي بن محمد) وقد شاركت الظفير بهذا الحدث أيضا بقيادة شيخهم ابن سويط ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد،أحداث سنة 1139هـ ، ج:2 ، ص: 370 ((( وفي آخرها سار ابن سويط ومعه دجين بن سعدون بن غرير الحميدي ومعهما المنتفق وقصدوا الأحساء وحصروا علي بن محمد بن غرير في الأحساء وقتل بينهم رجال كثير ، ونهب ابن سويط قرايا الأحساء ، وصارت الغلبة لعلي عليهم وفشلهم . ثم انهم صالحوه ورجعوا))). وفي عام 1147هـ استطاعت الدولة العثمانية التخلص من حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف محمد بن مانع بن شبيب آل شبيب وذلك بعد أن قتل في معركة ضد الدولة العثمانية ، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، حوادث سنة 1147هـ، ص: 69 (((وفيها قتل الروم محمد المانع بن شبيب القرشي الهاشمي العلوي رئيس بوادي المنتفق))). يذكر هذا النص مقتل حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير محمد بن مانع آل شبيب، وهو والد الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت باسمه الأسرة لاحقا، وقد عرف المؤرخ تسلسل نسبه بــ القرشي (نسبة لقبيلة قريش) والهاشمي (نسبه لبني هاشم) والعلوي (نسبه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي يعرف نسله بالأشراف).
رابعا- سعدون بن محمد:
بعد مقتل حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف محمد بن مانع بن شبيب آل شبيب انتقل الحكم الى ولد عمه الأمير الشريف منيخر بن ناصر بن صقر آل شبيب (الموالي للعثمانيين) ، لذلك بقيت قبائل المنتفق هادئة طوال فترة بداية حكمه ، وقد كان أبناء الأمير محمد وقت وفاته صغارا ( اثنين من أبنائه حكموا مملكة المنتفق لاحقا وهم الأمير سعدون بن محمد – الذي سميت باسمه الأسرة لاحقا ، والأمير عبدالله بن محمد – والد الأمير ثويني الذي يدور حوله محور هذا البحث ). وعندما بلغ الأمير سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب العشرين من عمره بدا يظهر طموحه في الحكم ورغبته في قتال العثمانيين ولذلك استطاع أن يؤسس لنفسه شعبية بين قبائل مملكة المنتفق وخصوصا بين شباب هذه القبائل وسهل مهمته كون الحاكم الرسمي الأمير منيخر بن ناصر آل شبيب كان مواليا للعثمانيين (وهو ماترفضه قبائل المنتفق) وأنه أبقى قبائله هادئة (وهو مالم تعتاد عليه قبائل المنتفق) ، وفي عام 1738م برزت الفرصة للأمير سعدون للظهور بشكل رسمي وذلك عندما دعت ولاية بغداد شيوخ القبائل فيها وفي خارجها الى إجتماع بين العرب والعثمانيين ، وقد حضر الإجتماع حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها الأمير منيخر بن ناصر آل شبيب ، وقد تفاجأ الحضور بدخول الأمير الشاب سعدون بن محمد للإجتماع متحديا سلطة ولد عمه الأمير منيخر آل شبيب وسلطة العثمانيين وقد عرف بنفسه كحاكم شرعي لمملكة المنتفق ومعلنا بنفس الوقت أمام الشيوخ المجتمعين أن العرب هم الأحق بحكم كامل العراق وهو ماأدى الى اعتقاله من قبل العثمانيين وارساله الى بغداد حيث سجن هناك ، الا ان والي بغداد والذي اعجب بشخصية الأمير الشاب سعدون وجرأته قام باطلاق سراحه لاحقا ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص: 190 (((وبقيت قبائل المنتفك هادئة نوعا ما منذ عام 1729م حتى ظهور زعيمها العظيم سعدون . وقد عثرنا على اسمه في التواريخ أول مره في 1738م – 39م عند حضوره اجتماعا للشيوخ عقد بدعوة من الكهية في حسكه . فسلم كل من الشيوخ هدية ولطفوا بالحديث ، عدا سعدون الذي اوقف وأخذ مخفورا الى قلعة بغداد جزاء لطموحه العدائي الذي كان يرمي لـ سلطنة العرب))). بعدما فعله الأمير سعدون بن محمد وبعد اطلاق سراحه ، ازدادت شعبيته بشكل كبير وقام بثورة كبيرة على العثمانيين ولم يجد الأمير منيخر بن ناصر بيده أي سلطة ، بل أصبح الأمير سعدون بن محمد هو الحاكم الفعلي لمملكة المنتفق ، ولم يبقى بيد الأمير منيخر سوى لواء السماوة والذي كان هو ووالده يحكمونه بشكل رسمي بتأييد من العثمانيين ، يذكر حمود الساعدي ، في كتابه بحوث عن العراق وعشائره ، ص: 182 ((( ومن بين الأشخاص الذين تصرفوا بلواء السماوة في العهد التركي ، الشيخ ناصر الصقر من حمولة آل شبيب رؤساء المنتفق. فكان الشيخ ناصر هذا ضامنا لهى في سنة 1139هـ (1726م) بـ 4794 قرشا، وانه بقي ضامنا له بمثلي البدل السابق حتى سنة 1145هـ وكان ضامنا لهى في سنة 1165هـ الشيخ منيخر بن الشيخ ناصر الصقر، وفي ايام الشيخ منيخر هذا اجتاز بالسماوة اتو الفرنسي وهو في طريقه من البصرة الى بغداد. وروى لنا في رحلته: انه وصلها في 19 اياري 1743م (ربيع الاول 1156هـ) وذكر ان ضامنا في التاريخ المذكور منيخر، وانه يستوفي رسوما باهضة على السفن المارة بها ليتمكن من ايفاء التزاماته تجاه والي بغداد احمد باشا))).
وقد قام الأمير الشريف سعدون بن محمد بنقل العاصمة الى كتيبان قرب البصرة ، وأصبح يتحرك وبرفقته عشرة آلاف مقاتل ، وسيطر على كامل مناطق مملكة المنتفق من الحلة وحتى الخليج العربي وقام بارسال جيش لمحاصرة مدينة الحلة وجيش أخر لمحاصرة البصرة ، وطالب الدولة العثمانية بدفع الضريبة عن مدينة البصرة والتي كان العثمانيين يدفعونها سابقا لمملكة المنتفق مقابل ترك البصرة للعثمانيين والتي يبدو أن الأمير منيخر بن ناصر آل شبيب لم يستطع المطالبه بها ( وذلك لضعفه وموالته للعثمانيين) ، وهدد بانتزاع بغداد من العثمانيين في حالة عدم الاستجابه لطلباته ، وتلقب بسلطان العرب ، يذكر د. علي الوردي ، في كتابه لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، ج:1 ، ص: 116 ((( في عام 1738م ثار الأمير سعدون شيخ المنتفق ومعه عشرة الآف مقاتل ، ونزل موضع بين النجف والكوفة وأخذ يتحكم في الناس قائلا : ( أنا السلطان في هذه الديار . وماشأن أحمد باشا وما السلطان ؟ اني ان شاء الله آخذ بغداد واحكم فيها بالعدل ) . ثم أرسل قوة لمحاصرة الحلة ، و أخرى لمحاصرة البصرة وقال عن البصرة أنها ملكهم وانهم كانوا يأخذون منها الأتاوة كل سنة وليس للروم فيها – أي الترك – أي حق فيها . استمر سعدون في حركته زهاء أربع سنوات واستطاع أن يسيطر على مناطق واسعة من الفرات الأسفل والأوسط ، وفرض الأتاوة على المسافرين فلم يسلم منه حتى وكلاء الشركات الأنكليزية والفرنسية في البصرة))). هذه التطورات الخطيرة أجبرت والي بغداد على ارسال حملة كبيرة لاعادة نفوذ حاكم مملكة المنتفق السابق الموالي للعثمانيين ولمطاردة الأمير سعدون بن محمد ومحاولة أسره ، يذكر الدكتورعويضة الجهني على هامش كتاب تاريخ ابن يوسف ، عند حديثه عن الأمير سعدون بن محمد ، ص: 135 ((( فأعلن ثورة على العثمانيين في بداية عام 1154هـ / 1741م بالتعاون مع شيوخ قبائل جنوب غرب العراق ، وتلقب بسلطان العرب ، وسيطر على المنطقة الواقعة من رأس الخليج العربي الى الحلة . وقد أرسل أحمد باشا ، والي بغداد ، نائبه سليمان بيك في أواخر عام 1154هـ / بداية 1742م على رأس حملة لاحقت الشيخ سعدون))). وبعد معركة كبيرة قرب السماوة ، استطاع العثمانيين قتل الأمير سعدون بن محمد بعد أن طاردوا جيشه ، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى ، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ بعض الحوادث الواقعه في نجد، ص: 81 ((( وفي سنة 1154 الوقعة المشهورة بين المنتفق وبين عساكر الترك وصارت الهزيمة على المنتفق، وقتل سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب رئيس المنتفق))).
فبعد أن اصطدم العثمانيون مع قوات المنتفق قرب السماوة ، اتجه سعدون بقواته الى البادية ، الا أن قائد الجيش العثماني (نائب والي بغداد) أراد مفاجأة قوات المنتفق فقام بمطاردتهم حتى وجد الأمير سعدون بن محمد وحيدا يتفقد مؤخرة الجيش فقاموا بمحاصرته ومحاولة أسره فقاتل أولا برمحه ثم بسيفه ثم بدبوسه ثم بالركاب ثم بزمام فرسه حتى أسر ، ولم يرغب حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب بأن يقاد أسيرا لبغداد لذلك قام باستفزاز قائد الجيش العثماني (نائب والي بغداد) والذي كان من المماليك .. حيث عدد الأمير سعدون أسماء كثيره من أجداده وسأل القائد العثماني (الذي كان يجهل اسم ابيه) عن والده وأجداده .. مماأدى بالقائد العثماني الى ان يقطع رأسه وبذلك نال الأمير سعدون بن محمد شرف أن يقتل في أرض المعركة بدلا عن أن يبقى أسيرا ، ويذكر الرحالة نيبور عند مروره بالعراق بعد أكثر من عشرين عام على مقتل الأمير سعدون بن محمد .. وكيف أن قبائل المنتفق مازالوا يفخرون بشجاعة حاكمهم وشيخ مشائخ قبائلهم الأمير سعدون بن محمد، كتاب مشاهدات نيبور في رحلة من البصرة الى الحلة سنة 1765م ، ص: 60 ((( ولايزال العرب للآن يتغنون بالشجاعة التي ابداها شيخهم في هذه المناسبة: كيف دافع عن نفسه بالرمح بادىء ذي بدء ، ثم بسيفه وبعدها بالدبوس (وهو نوع من الهراوات التي تستعمل للضرب ، اعتاد الشرقيون حملها على سروجهم ) ، وأخيرا بالركاب فزمام فرسه. ولكنها جميعا لم تجد نفعا. وكان سليمان قد تلقى أمرا باعادة سعدون أسيرا الى بغداد. وكان الغالب يريد من المغلوب بعض الاحترامات له. ولكن العربي المغتر ، الذي ولد حرا ، لم يشأ أن يتفهم هذا الأمر. فبعد أن عدد أسماء كثيرة من أجداده ، سأل الكهيا ، الذي يجهل حتى والده ( كان الكهيا كرجيا بالأصل ، بيع أسيرا في شبابه) كيف يسوغ له طلب مثل هذا الذل من عربي أصيل ؟ وقد أغضب هذا الأمر سليمان الى حد جعله يأمر بقطع رأسه على الفور ، حيث ارسله الى الباشا اشارة لانتصاره))).
بعد مقتل الأمير سعدون بن محمد ، قدم الى المعسكر العثماني مايقارب العشرين شيخا من قبائل العراق التابعين للأمير سعدون بن محمد وذلك رغبة منهم في حقن الدماء والتفاهم مع القائد العثماني (نائب والي بغداد) وذلك لكون معسكرهم قريب من المعسكر العثماني الا أن سليمان باشا وجدها فرصة يصعب أن تتكرر باجتماع مثل هذا العدد من شيوخ القبائل أمامه ، لذلك أمر بقطع روؤسهم جميعا ، يذكر الرحالة نيبور ، كتاب مشاهدات نيبور في رحلة من البصرة الى الحلة سنة 1765م ، عند حديثه عن شيوخ قبائل المنتفق الذين قدموا الى سليمان باشا ، ص: 61 ((( وأبدوا رغبتهم في التفاهم مع الباشا. الا أن سليمان ، عاد ففكر أنه ليس في استطاعته أن يجمع بسهولة مثل هذا العدد من الشيوخ معا تارة أخرى فأمر بقطع رؤوس هؤلاء أيضا عن أخرهم))). وقد أدى قتل الأمير سعدون بن محمد مع عشرين شيخا من قبائل العراق التابعين له الى حدوث ضجه ودوي كبير في العراق ووسط الجزيرة العربية ، يذكر الدكتورعويضة الجهني ، على هامش كتاب تاريخ ابن يوسف ، عند حديثه عن الأمير سعدون بن محمد ، ص: 135 (((وقد أرسل أحمد باشا ، والي بغداد ، نائبه سليمان بيك في أواخر عام 1154هـ / بداية 1742م على رأس حملة لاحقت الشيخ سعدون حتى تمكنت من قتله صبرا مع حوالي عشرين شيخا من أتباعه ، مما أحدث دويا واسعا في العراق ووسط جزيرة العرب))). يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج:3 ,ص:282 (((فعندما أمر سليمان أبوليلى بقطع رأس الشيخ سعدون (1742م أو 1743م) حدثت ضجة كبيرة لأن عبدا سابقا تجرأ على وضع يده على عربي حر هو زعيم المنتفق))).
كان هذا عرض موجز عن فترة حكم الأمير الشريف سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب (الذي سميت الأسرة باسمه لاحقا بعد أن كانت تعرف بـ آل شبيب وهو عم الأمير الشريف ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب الذي يدور حوله محور هذا البحث) ، وسوف يكون هنالك باذن الله بحث مفصل وخاص بفترة حكم الأمير سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب لاحقا.
خامسا- عبدالله بن محمد:
بعد مقتل حاكم مملكة المنتفق الأمير سعدون بن محمد ومقتل عشرين شيخا من قبائل العراق التابعين له ، استقل أخوه الأمير عبدالله بن محمد بمشيخة قبائل بادية العراق الممتدة من شمال الأحساء وشمال الجزيرة العربية وحتى شمال السماوة من عام 1742م وحتى عام 1757م ، بينما كان الحكم الرسمي لمملكة المنتفق ومعظم حواضرها في تلك الفترة بيد اثنين من ابناء عمه وبدعم عثماني وهما الأمير منيخر بن ناصر بن صقر آل شبيب ثم تلاه الأمير بندر بن مغامس بن مانع آل شبيب ، وبعد سنتين من مقتل أخيه الأمير سعدون ، حاصر الأمير عبدالله بن محمد البصرة مع حاكم الحويزة ، يذكر المؤرخ النجدي ابن يوسف (المعاصر للأحداث) ، كتاب تاريخ ابن يوسف ، أحداث سنة 1156هـ ، ص: 138 ((( وفيه أيضا حصار البصرة ، يوم يحاصرها راعي الحويزة وولد محمد آل مانع))). وفي عام 1757م وبعد وفاة الأمير بندر بن مغامس آل شبيب فرض الأمير عبدالله بن محمد آل شبيب نفسه على مسرح الأحداث وحكم مملكة المنتفق بأكملها. وقد كان الأمير عبدالله بن محمد آل شبيب (والد الأمير ثويني) وبعد مقتل أخيه الأمير سعدون بن محمد قد احتضن ابن أخيه الأمير ثامر (كل ذرية الأمير سعدون في عصرنا من ابنه ثامر) وتزوج من أرملة أخيه وانجبت له ابنه الأمير ثويني بن عبدالله (كل ذرية الأمير عبدالله بن محمد في عصرنا من ابنه ثويني) ، يذكر يوسف بن حمد البسام ، في كتابه الزبير قبل خمسين عاما مع نبذة تاريخية عن نجد والكويت، وذلك عند حديثه عن الفترة التي كان يحكم بها مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد ( والد الأمير ثويني) ، ص: 159 ((( والأمراء البارزين في ذلك الحين هم (اشراف الحجاز) و(بنو خالد) حكام الأحساء وما والاها من المنطقة الشرقية ، و(آل معمر) في العييينة و (آل سعدون) في العراق و (امام صنعاء) في اليمن، و(السادة) في نجران))).
وفي عام 1761م قام حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد بنقل مركز الحكم لمملكة المنتفق الى المنطقة التي بنيت فيها مدينة سوق الشيوخ لاحقا من قبل ابنه الأمير ثويني ، حيث قام بتأسيس قرية على شكل حصن كبير في تلك المنطقة ( عرفت بكوت الشيوخ أو قلعة الشيوخ) ، ونقل العاصمة من مدينة العرجا إلى هذا المكان. وقد بنيت هذه القلعة الكبيرة لتكون مركزا للتموين وللذخيرة والسلاح للمعسكر الحربي الرئيسي لحاكم مملكة المنتفق ومركزا يقيم فيه حاشيته الكثيرة – عبيده ومستشاريه – بالأضافة إلى اقامة حاكم مملكة المنتفق و قبائل المنتفق البدوية ومشايخهم حولها لمدة 3 فصول من السنة باستثناء فصل الربيع ، وعند تأسيس مدينة سوق الشيوخ من قبل ابنه الأمير ثويني بن عبدالله - عام 1780م - أصبح هذا الحصن الكبير أحد ضواحيها ومركزا تقيم حوله الكثير من قبائل المنتفق البدوية وأصبحت مدينة سوق الشيوخ العاصمة للأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق - نصف العراق الأسفل – أسرة آل شبيب ولاحقا تغير الاسم إلى آل سعدون ، بالإضافة إلى ان مدينة سوق الشيوخ أصبحت أحد أهم المدن التجارية في العراق والجزيرة العربية ومركزا لتجارة أهل نجد والكويت في العراق ، يذكر القنصل الروسي بالبصرة انه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وقبل تأسيس مدينة الناصرية (عام 1869م) كان جميع مشايخ القبائل في اتحاد المنتفق يقيمون فيها ، يذكرها الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، ص: 56 ((( وتعتبر كوت الشيوخ أو قلعة الشيوخ ، قرية من القصب من هذا النوع وان كانت أكبر في حجمها ، وهي تقع على بعد عشرة أميال إلى الأعلى من سوق الشيوخ صعودا مع الفرات . وكانت هذه القرية قبل تأسيس الناصرية وبناء قصر آل السعدون الواسع فيها ، مقرا لشيخ المشايخ أو الزعيم الرئيس لعشائر المنتفق وحاشيته الكثيرة العدد والمقربين منه وكذلك لزعماء جميع القبائل الداخلة في هذا الاتحاد القبلي وهكذا كانت كوت الشيوخ تبدو كمعسكر ضخم للبدو))). ويبدو ان أهمية كوت الشيوخ تزايدت بعدما ضرب الطاعون مدينة سوق الشيوخ عام 1831م ولم يبقي من سكانها سوى اربعة آلاف نسمة ، حيث أصبح مركز الحكم في كوت الشيوخ ، يذكر الكسندر أداموف – القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر- في كتابه : ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، وذلك عند حديثه عن مدينة سوق الشيوخ والطاعون الذي اجتاحها ، ص: 55 ((( ثم أخذت المدينة بالنمو بسرعة فامتدت وأصبح محيطها خمسة أميال وعدد سكانها يزيد على 10,000 نسمة. وعندما اجتاح الطاعون في 1831 العراق بأجمعه وجه أول ضربة لرفاهية هذا المركز التجاري العربي الصرف))).
بقيت مملكة المنتفق على علاقة هادئة مع العثمانيين منذ العام 1757م وحتى عام 1768م وكان يتخلل هذه الفترة مطالبات بدفع ضريبة عن أراضي زراعية في منطقة السماوة وبعض الأراضي المحيطة في مدينة البصرة والتي كان الحاكمين السابقين لمملكة المنتفق الأمير منيخر والأمير عبدالعزيز (المواليين للعثمانيين) قد قبلوا بدفعها ، الا ان الأمير عبدالله بن محمد رفض الألتزام بما كان عليه من سبقه ولم يرى للعثمانيين حق بهذه المطالبه ، وبعد مرور 9 سنوات على هذه المطالبات بدأ التوتر بين الطرفين. وبدأت الدولة العثمانية بالتهديد بالتحرك العسكري ، وهذا أزم الموقف حيث بدأ الأمير عبدالله بن محمد بتهديد مدينة البصرة ونشر قواته حولها ، خصوصا بعد أن تأزمت العلاقة بينه وبين متسلمها (الحاج سليمان آغا نقرة). وعندما أدرك والي بغداد عمر باشا خطورة الموقف قرر محاولة التحالف مع البريطانيين ضد مملكة المنتفق والقيام بعمل عسكري مشترك ، يشمل القيام بضربات عسكرية باستخدام المدفعية وبسفن بريطانية على مدن وقرى مملكة المنتفق على طول نهر الفرات ، الا أن طلب والي بغداد عمر باشا قوبل بالرفض من قبل المستر مور ( الوكيل البريطاني في البصرة) والذي كانت تربطه علاقة جيدة بحاكم مملكة المنتفق والذي صرح باحتمال احتلال المنتفق للبصرة ذاتها وهو مايجبره على البقاء على الحياد حفاظا على مصالح دولته ( وفيما يبدو أنه خاف من أن يقوم الأمير عبدالله بن محمد عند احتلاله للبصرة ، بنفس عمل عمه الأمير مغامس بن مانع ، وهو طرد البضائع الإنجليزية من أسواق البصرة) ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج ، القسم التاريخي ، ج:4 ، عند حديثه عن طلب والي بغداد ( عام 1769م) مساعدة البريطانيين له ضد حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد ورد الوكيل البريطاني في مدينة البصرة مستر مور ، ص: 1821 ((( لكن مستر مور – الذي كان يذكر جيدا النتائج السيئة التي تمخض عنها تدخل البريطانيين بين الاتراك وقبيلة بني كعب من قبل والذي كانت علاقته بعبدالله شيخ المنتفق علاقة ودية دائما ، والذي كان أيضا ماتزال له أموال متأخره عند متسلم البصرة – راوغ في اجابة هذا المطلب متعللا بأن السفن البريطانية الكبيرة لاتستطيع أن تقوم بعملها في مجرى الفرات . وذكر الوكيل أيضا أنه كان محتملا أن تستولي المنتفق على مدينة البصرة نفسها ... وكان هذا في ذاته سببا آخر يحمله على زيادة التمسك بالحياد))). لذلك تراجع والي بغداد عمر باشا عن فكرة التحرك العسكري مؤقتا وفتح باب التفاوض بين الطرفين ، وقام بإرسال شيخ قبيلة العبيد عبدالله بك الشاوي - الذي كان يشغل منصب باب العرب في ولاية بغداد ويتمتع باحترام كبير في العراق - للتفاوض مع حاكم مملكة المنتفق ولجمع الأمير عبدالله بن محمد مع متسلم البصرة ، جرى الإجتماع في بلدة الزبير التابعة لحاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد، وتم الإتفاق على التهدئة ثم بعد ذلك تراجع حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد عن ماتم الأتفاق عليه مع متسلم البصرة ، لذلك قام والي بغداد عمر باشا بقتل شيخ قبيلة العبيد لاحقا واتهامه بتحريض الأمير عبدالله بن محمد ضد العثمانيين ( وهذا الحدث يوضح عن مدى سؤ الحالة التي وصلها والي بغداد في تلك الفترة والتي أجبرته على قتل واحدة من أكبر الشخصيات العربية في ولاية بغداد) ، ويضاف لأسباب التوتر في تلك الفترة بين مملكة المنتفق والعثمانيين هو أنه بعد قيام العثمانيين بحملة كبيرة ضد قبائل الخزاعل وقيام العثمانيين باحراق مدينة لملوم التابعة لشيوخ الخزاعل ، قام الأمير عبدالله بن محمد بقبول إجارة الشيخ حمد الحمود ووالده لديه ورفض تسليمهم الى والي بغداد ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، عند حديثه عن الشيخ حمد الحمود شيخ الخزاعل ، ص: 133 (((والذي لم يجد من يأويه هو وأبيه بعد تدمير الوالي - عمر باشا - لمدينتهم " لملوم " عام 1769م، وطلبه اياهم في كل مكان ، الا أهل المنتفق بعد أن هربا اليهم ، طالبين منهم الحماية والعون ، وقد حصلا عليها ، وجرى أكرامهما وحمايتهما ))).
بدأ والي بغداد عمر باشا التحضير لحملة عسكرية كبيرة ، وسار بها الى البصرة ، وقبل وصولها أدرك حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد بأن خسارته للحرب سوف تكون نتائجها سيئة عليه وخصوصا وأن مملكة المنتفق قد بدأت توا التعافي من آثار قتل أخيه الأمير سعدون بن محمد مع عشرين شيخا من شيوخ قبائل العراق التابعين له من قبل العثمانيين ، لذلك قرر اللجوء لدولة بني خالد مؤقتا وترك حكم المنتفق لابن عمه الأمير فضل بن ناصر بن صقر آل شبيب وهو من جناح في الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق يعتبر موالي للعثمانيين ، وبقي الأمير عبدالله بن محمد عدة أشهر لدى دولة بني خالد وحكامها آل عريعر قبل أن يعود للحكم وتهدأ الأوضاع مع العثمانيين ( ولا نعرف ماتم الأتفاق عليه بين الطرفين) ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، وذلك عند نقاشه للجوء حاكم مملكة المنتفق مؤقتا الى دولة بني خالد وأنه لم يكن عملا موجها ضد الدولة العثمانية بل كان باتفاق جميع الأطراف ،ص: 392 ((( وفي سنة 1183 هـ / 1769م يرد لجوء عبدالله بن محمد زعيم المنتفق الى عريعر بن دجين زعيم بني خالد عقب اعتدائه على بعض مقاطعات البصرة وتفاوض والي البصرة الحاج سليمان آغا نقره معه حتى تم التوصل الى اتفاق مقبول ، ولكن عبدالله تراجع عن الاتفاق مماأدى الى مسير القوات العثمانية بقيادة عمر باشا والي بغداد اليه ، فاضطر الى الانسحاب واللجوء الى بني خالد ، فولى أحد أقاربه ويدعى فضل على زعامة المنتفق ، ومن ذلك يتضح أنه على الرغم من كون عبدالله متمردا على السلطة العثمانية الا انها كانت تسعى للتفاهم معه ، وعلى هذا فالأحرى أن يقبل العثمانيون بلجوئه الى الأحساء حقنا للدماء ، ولأن هذا يمكنهم من تعيين زعيم موال لهم على المنتفق ، ومن هذا المنطلق فان قبول بني خالد بلجوء عبدالله عندهم لم يكن عملا موجها ضد العثمانيين))).
بقيت الأوضاع هادئة في المنطقة حتى ظهور الطاعون في البصرة عام 1773م وقد طلبت الدولة العثمانية من حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد إدارة المدينة التي دبت فيها الفوضى لكنه لم يستطع ادارتها بسبب تدخل بني كعب لذلك اعادها للعثمانيين ، وقد بدأت البصرة منذ تلك اللحظة تواجه خطرا فارسيا وتهديدا بإحتلالها (سوف يذكر مفصلا بالفصل التالي). ثم شهدت السنة التالية مرور الرحالة بارسونز بالعراق عام 1774م ، وننقل هنا وصفا لحلف قبائل المنتفق (أكبر تحالف للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي واحد ) والذي يشكل القسم الرئيسي من مملكة المنتفق ، كما ننقل وصفا للمعسكر الحربي لحاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد والذي كان فيه كل مواد التموين والإمدادت المطلوبة وأجمل الخيول الأصيلة وكلاب الصيد والصقور بالإضافة لإمتلاك حاكم مملكة المنتفق لحيوانات نادرة مثل زوج من النعام الداجن والمطوقه حول عنقيهما بأطواق حمراء وأجراس نحاسية ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي , في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ , محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، زيارة الرحالة بارسونز لأراضي مملكة المنتفق في عهد الأمير عبدالله بن محمد عام 1774م (((وجد أن حلفه القبلي "المنتفق" يغطي مساحة كبيرة من جنوب ووسط العراق، ويضمّ بين جنباته عددا كبيرا من السكان يفوق بالطبع عدد السكان المنضوين في باشوية بغداد أضعافا))). و يذكر ج.ج. لوريمر , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج 4 وصف الرحالة بارسونز للمعسكر الحربي للأمير عبدالله بن محمد (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها) , ص: 1841 ((( كان معسكره من الخيام ويغطي مساحة كبيرة حاويا عدد ضخما من الناس , ومتوفرة فيه كل مواد الامدادات والتموينات المطلوبة . ومن الحيوانات كانت القبيلة وشيوخها يملكون أجمل الخيول الأصيلة . وكلاب الصيد والصقور بل حتى بعض الحيوانات النادرة كزوج من النعام الداجن وقد طوقا بأطواق حمراء وأجراس نحاسية حول عنقيهما))).
هكذا نشأ الأمير ثويني بن عبدالله في فتره من حكم أسرته آل سعدون الأشراف لمملكة المنتفق شهدت صراعا كبيرا مع العثمانيين على النفوذ بالعراق ، وهي الفترة التي بدأت بتصاعد قوة الدولة (مملكة المنتفق) بشكل كبير جدا على يد جده الثاني الأمير مانع بن شبيب آل شبيب والى حكم عم والده الأمير مغامس بن مانع بن شبيب آل شبيب ، ثم توازن القوه بين العثمانيين ومملكة المنتفق في عهد جده الأمير محمد بن مانع آل شبيب والذي قتله العثمانيين، ثم نهوض عمه الأمير سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب (الذي سميت لاحقا الأسره باسمه) والذي قتله العثمانيين مع عشرين شيخا من شيوخ قبائل العراق التابعه له ، والى بقاء والده الأمير عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب كشيخ مشايخ لقبائل بادية العراق الممتدة من حدود الأحساء الشمالية وعلى حدود نجد الشمالية والى شمال السماوة ولمدة 15 سنة ، ثم حكم والده لمملكة المنتفق بأكملها وبدء تصاعد القوة لدى مملكة المنتفق . ولم يكن الأمير ثويني بن عبدالله وقتها على علم أنه على موعد مع أحداث وملاحم تاريخيه عظيمه مع الإمبراطورية الفارسيه والعثمانيين وعلى موعد مع أحداث ومعارك شكلت تاريخ الدول الإقليمية العربية المجاورة وأنه أيضا على موعد مع صناعة التاريخ في أهم حدث في تاريخ العراق بالحقبة العثمانية وهو أول إعلان لاستقلال العراق بأكمله وماتبعه من معارك كبيره.