كفى بالنَّأي من أسماءِ كافِ وليسَ لسقمهِ إنْ طالَ شافي
فيالكِ حاجةً ومطالَ شوقٍ وقطعَ قرينةٍ بعدَ ائتلافِ
كأنَّ الأتحميَّةَ قامَ فيها لحسنِ دلالها رشأٌ موافِ
من البيضِ الخدودِ بذي سديرٍ تنوشُ الغضَّ من ضالٍ قضافِ
أو الأدمِ المرشَّحةِ العواطي بأيديهنَّ من سلمٍ النِّعافِ
كأنَّ مدامةً من أذرعاتٍ كميتاً لونها كدمِ الرُّعافِ
شججتُ بها إذا الآرأمُ قالتْ رؤوسَ اللاَّمعاتِ من الفيافي
إلى أوسِ بن حارثةَ بن لأمِ لربِّكِ فاعملي إن لم تخافي
فما صدعٌ بجبَّةَ أو بشرحٍ على زلقٍ ذوالقَ ذي كهافِ
تزلُّ اللَّقوةُ الشَّغواءُ عنها مخالبها كأطرافِ الأشافي
بأحرزَ موئلاً من جارِ أوسٍ إذا ما ضيمَ جيرانُ الضِّعافِ
وما ليثٌ بعثَّرَ في غريفٍ تغنِّيهِ البعوضُ على النِّطافِ
مكبٌّ ما يزالُ على أكيلٍ يناغي الشَّمسَ ليسَ بذي عطافِ
بأبأسَ سورةً بالقرنِ منهُ إذا دعيتْ نزالِ لدى الثِّقافِ
وما أوسُ بن حارثةَ بن لأمٍ بغمرٍ في الحروبِ ولا مضافِ
------
قال أبو محمد الأخفش: مدح بشرٌ أوساً وأهل بيته مكانَ كل قصيدة هجاهم بها قصيدة،
وكان هجاهم بخمس فمدحهم بخمس؛ فمن ذلك قوله:
كفى بالنأي منْ أسماءَ كاف وليس لحبها إذ طالَ شافِ
بلى إن العزاءَ لهُ دواءٌ وطولُ الشوقِ ينسيكَ القوافي
فيالكِ حاجةً ومطالَ شوقٍ وقطعَ قرينة بعدَ ائتلافِ
كأنَّ الأتحميةَ قام فيها لحسنِ دلالها رشأ موافِ
الأتحمية: ثيابٌ من ثياب اليمن.
الموافي: المشرف ينظر. يقال: أوفى يوفي إيفاء، ووافى يوافي
موافاة.
من البيض الخدودِ بذي سديرٍ ينشن الغضَّ من ضالٍ قضاف
ينشنَ: يتناولنَ من شجرِ دقيقِ العيدان صغير.
أو الأدمِ الموشحةِ العواطِي بأيديهنَّ من سلمِ النعافِ
العواطي: التي تتناولُ بأيديها. عطتْ تعطو، وذلك أن ترفع يدها فتضعهما على الغصن.
وإنكِ لو رأيتِ غداةَ بنتمْ خشوعِي للتفرقِ واعترافي
الاعتراف: الصبر.
إذاً لرثيتِ لي وعلمتِ أني بودي غيرُ مطرفِ التصافي
المطرف: المستحدث، أخذ من الطريف والطارف.
فسل طلابها وتعز عنها بناجية تخيلُ بالرداف
سل طلابها: أي اتركه وانسهُ.
تخيلُ: تبختر في مشيتها وتشولُ بذنبها.
والرداف: الرديف. يقول: إذا حملتْ رديفاً رأيتَ لها نشاطاً.
على أني على هجران ليلى أمنيها المودةَ في القوافي
أمنيها: أقرئها في قوافي شعري أني أودها. قال الله تعالى: "إذا تمنى ألقى الشيطان في
أمنيته"؛ أي في قراءته.
وخلةِ آلفِ بدلتُ هجراً إذا همَّ القرينةُ بانصرافِ
بدلت هجراً: هجرته حين أراد قطيعتي.
بحرجوج يئط النسع فيها أطيطَ السمهرية في الثقاف
الحرجوج: الناقة الشديدة الخفيفة، أخذت من الريح الحرجوج؛ وهي الشديدة البرد. وقيل
الحرجوج من الإبل: الضامرة.
والسمهرية: منسوبة إلى قرية بالبحرين يقال لها سمهر.
والأطيط: الصوت.
كأن مواضعَ الثفناتِ منها إذا بركتْ وهنَّ على تجافِ
الثفنات: ما لزم الأرض منها حين تبرك.
والتجافي: الارتفاع عن الأرض.
معرس أربعٍ متقابلات يبادرن القطا سمل النطافِ
شبه آثار ثفناتها بمواقع أربعٍ من القطا.
والأسمال: بقايا الماء.
والنطاف: المياه؛ الواحدة نطافة.
فأبقى الأينُ والتهجيرُ منها شجوباً مثل أعمدةِ الخلافِ
الأين: الإعياءُ.
والتهجير: السير نصف النهار.
والشجوب: القوائم. الواحد شجبٌ.
تخرُّ نعالها ولها نفيٌّ من المَعْزاءِ مثل حصى الخذافِ
تخر نعالها: تسقط من أيديها وأرجلها.
والنفي: ما تنفيه بأيديها وأرجلها من الحصى. شبهه بحصى الخذاف الذي يخذف به.
والمَعْزاءُ: الحجارة البيض تكون في الأرضِ الخشنة.
كأنَّ السوطَ يقبضُ جنبَ طاوٍ بأجمادِ اللبينِ من جفافِ
طاوٍ: أي ثور ضامر.
ويقال للذي يخرج من أرضٍ إلى أرضٍ طاوِ.
والأجماد: ما صلبَ من الأرضِ.
واللبين: موضع.
شججتُ بها إذا الآرامُ قالت رءوس اللامعاتِ من الفيافي
اللامعات: التي تلمع بآلال.
والأرآم: الظباء البيض.
والفيافي: الصحارى، واحدها فيفاء.
فليتي قد رأيتُ العيس ترمي بأيديها المفاوز عن شراف
عوامدَ للملاَ وجنوبِ سلمى على أعجازها دُكُنُ العطافِ
سلمى: أحد جبلى طيئ.
وأراد بالعطاف: مطارف الخز. والعطاف أيضاً: السيوف.
والعطاف: القسي، الواحدة عطيفة.
والملا: الصحراءُ.
إلى أوس بنِ حارثةَ بن لأمٍ لربكِ فاعملي إنْ لم تخافي
أراد إلى ربك. اعمل: أي سيري إن لم يلزمك الخوف.
فما صدعٌ بخبةَ أو بشرج على زلقٍ زوالقَ ذي كهافِ
الزلق: جمع زلوق. يريد بها الجبال الملس. مكان زلوق ومزلق.
والكهاف: الغيران في الجبال.
والصدع: الوعل الخفيف الجسم.
خبة: أرض. والخبة: الطريق في الرمل.
تزلُّ الِّلقوَةُ الشغواءُ عنها مخالبها كأطرافِ الأشافي
الشغواء: التي ركب منقارها الأعلى الأسفل.
يقال: قد شغتْ سن الغلام: إذا ركبت
العليا السفلى.
ويروى: الغشواء، وهي التي غشيت ببياض رأسها.
ويقال: لَقْوَة ولِقْوَة.
بأحرز موئلاً من جابرِ أوسٍ إذا ما ضيمَ جيرانُ الضعافِ
وما ليثٌ بعثرَ في غريفٍ تغنيهِ البعوضُ على النطافِ
عثر: موضع. والغريف: الشجر الملتف.
مغبٌّ، ما يزالُ على أكيلٍ يناغي الشمس ليس بذي عطافِ
يروى: مكبٌّ ما يزال يريد الأسد. ومغب: يصيب يوماً ويوماً لا يصيب، ما يزال هذه
حاله.
يناغي: يرقب وينظر. وقيل يناغي الشمس من صفة الأكيل؛ لأنه ألقاه على قفاه،
فكأنه ينظر إلى الشمس.
والأكيل: ما يأكله السبع.
ليس بذي عطاف: أي ليس عليه
لباس. والعطاف: الملحفة. ورجل معتطف: ملتحف.
يناغي الشمس، لأن الأسد عينه
إلى الشمس يرقب سقوطها فخرج عند الليل.
بأبأس سورةً للقرنِ منهُ إذا دعيتْ نزالِ لدى النقافِ
بأبأس سورةً: بأشد وثبةً.
وساوره: واثبه.
والنقاف: الضرب بالسوطِ والطعن.
وما أوس بن حارثة بن لأمٍ بغمرٍ في الأمورِ ولا مضافِ
الغمرُ: الذي لم يجرب الأمور.
والمضاف: الذي قد أضيف إلى قومٍ ليس منهم.
------
المصدر
مختارات أشعار العرب لابن الشجري